أن يمتثل الواقع ويأتي به إمّا بنفسه وإمّا ببدله ، وأمّا في ما ذكر من المثال فالمكلّف قد ترك الواقع ولم يمتثله بشيء من نحوي امتثاله ، فللمولى أن يؤاخذ منه ويطالب الواقع الذي علم به.
الذي يحكم به الوجدان هو الثاني ، فيقضي بوقوع المكلّف تحت قيد التكليف بسبب العلم الإجمالي بالنسبة إلى الواقع أو بدله بحيث لا يستريح ولا يخلّي سبيله لو رفع اليد عن الواقع وبدله لو خالف طريقه الواقع ، ولا يصير كمن لم يتوجّه إليه تكليف ولم يحصل له علم إلّا في خصوص التّجري.
وعلى هذا فنلتزم بأنّ أصالة البراءة في الطرف المقابل المتحقّق في ضمنه الواقع إنّما هي جارية معلّقا على الإتيان بمؤدّي الطريق حتى يكون قد حصل الامتثال بالبدل ، وإلّا فلا مجرى فيه للبراءة.
إذا عرفت ذلك فنقول : العلم الإجمالي بثبوت الطرق إن قلنا بأنّه لا يوجب ارتفاع العلم الإجمالي بالواقعيات ، بل هو مع ذلك باق بحاله موضوعا وباق على اقتضائه من تنجيز الواقع على المكلّف فحينئذ لو احتاط المكلّف ، بالإتيان بمقتضى كلّ ما احتمل طريقيّته فقد علم بالمبرئ ؛ فإنّه يعلم بالخروج عن عهدة الواقع بتسليم نفسه أو بدله.
وأمّا لو كان الاحتياط حرجا وصار الأمر متعيّنا في العمل بالظن فحينئذ الظن بالطريق والظن بالواقع في عرض واحد ، فإنّ الظنّ بالواقع ظن بالأصل ، وبالطريق ظنّ بالبدل ، والأوّل لو لم يكن بأقوى من الثاني ليس بأقصر قطعا ، فلا وجه لحجيّة الظنّ بالطريق متعيّنا.
نعم لو قلنا بانحلال العلم الإجمالي بالواقعيات حقيقة (١) بسبب العلم الإجمالي
__________________
(١) والتحقيق هو الانحلال الحقيقي بتقريب أن يقال : إنّه لا شكّ في أنّ العلم الإجمالي بالتكليف مع كون التكليف الواقعي واحدا يكون منجّزا لشخص هذا التكليف الواحد و ـ