قوله : قلت : إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرّز عن العقاب الواقعي ـ إلى قوله ـ وهو قبيح (١).
قد مرّ في صدر المبحث منع قبح العقاب في مثل المقام ، ونقول هنا أيضا توضيحا ، فإنّ مورد حكم العقل بقبح العقاب ما إذا لم يرد من الشارع ما يبيّن نفس الواقع ، ولم يرد أيضا منه ما يبيّن أنّ المكلف الملتفت مأخوذ بالأحكام الواقعية مطلقا ولو كان جاهلا بخصوصياتها ما دام يمكن موافقتها ، فحينئذ يحكم العقل بقبح العقاب على الحكم المجهول ، وأما إذا ورد أنه يجب التحرّز عن التهلكة الواقعية كما هو مفروض المقام فهذا كاف في تنجّز الواقعيات على ما هي عليه ، ولا يحكم العقل هنا بقبح العقاب على مخالفة الواقع المجهول ، بل يحكم بصحّة العقاب على تقدير حصول المخالفة كما في صورة العلم بالحكم كما لا يخفى.
وسرّ ذلك ما ذكرنا غير مرّة في رسالة القطع وفي رسالة الظن أنّ مخالفة الأحكام الواقعية من الواجبات والمحرمات مقتضية للعقاب مطلقا إلّا في مورد يصحّ للعبد أن يعتذر بعذر صحيح مقبول عند العقل والعقلاء كالنسيان والغفلة لا عن تقصير وكالعجز عن الامتثال والضرورة وأشباهها ، ومنه ما إذا لم يبيّن الشارع أصل الحكم ولم يبيّن أيضا أنه يعاقب على الحكم المجهول ما أمكن فيه الاحتياط ، وأما إذا بيّن أنّ ارتكاب الشبهة اقتحام في الهلكة أي العقاب ومن ارتكب الشبهات يقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم ، فلا ريب أنّ المكلف لا يصحّ حينئذ أن يعتذر في مخالفته للواقع عند العقلاء بأني جهلت الحكم وخالفته من غير علم ، وإن لاحظت بعين الإنصاف أحكام الموالي والعبيد
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٧١.