من الأصول ، لم يجب الاحتياط بل يعمل بالأصل الجاري ، في محلّ المنع ، لأنّ التحقيق كما حقّقه المصنف أيضا في غير موضع أنّ السر في لزوم الاحتياط هو العلم الإجمالي بالتكليف بضميمة حكم العقل ، وهذا هو العلّة التامة للزوم الاحتياط سواء كان هناك أصل موافق أو مخالف في الأطراف أو بعضها أو لم يكن أصل أصلا.
ورابعا : سلمنا أن وجه لزوم الاحتياط تعارض الأصول في الأطراف ، لكنّ التعارض موجود فيما نحن فيه إذا كان عنوان المعلوم بالإجمال مغايرا لعنوان المعلوم بالتفصيل كما في المثال السابق فإنّ أصالة عدم الخمرية في أحد الإناءين معارضة بأصالة عدم خمرية الآخر ، ولا ينافي ذلك العلم بوقوع قذرة في أحدهما المعيّن ، فإنّ ذلك لا يجعله خمرا ولا يوجب تعلّق تكليف اجتنب عن الخمر به بالخصوص كما لا يخفى ، نعم أصالة عدم النجاسة غير جارية فيه ، ولا منافاة بين عدم جريان الأصل من جهة وجريانه من جهة أخرى.
فتحصّل من جميع ما ذكر أنّ التحقيق في الجواب عن الدليل هو الجواب الأول وهو الانطباق القهري ، ويمكن دعوى صحّة الجواب الثاني أيضا وهو دعوى انحصار أطراف العلم الإجمالي في موارد الأمارات بتقريب أن سبب حصول هذا العلم الإجمالي غالبا وجود هذه الأمارات ، فأطراف العلم لا تتعدى مواردها غالبا ، فبحسب الميزان المذكور يدعى أنّه لو عزلنا المشكوكات التي هي غير مورد الأمارات لا يتفاوت العلم الإجمالي زوالا أو قلة ، ويؤيد هذا الوجه أيضا أن العلم الإجمالي المتعلّق بمحرمات كثيرة في الشرع وإن كان ثابتا لكن العلم بوجود محرّمات متعلّقة بتكليف شخص العالم من حيث كونه رجلا أو امرأة غنيا أو فقيرا حاضرا أو مسافرا وهكذا ليس بهذه الكثرة البتة ، ومن المعلوم أنّ العلم بتكليف غيره لا يوجب عليه احتياطا ، فيمكن دعوى أنّ كل