وأما ثالثا : فلأنّ حمل الثواب الموعود به على التفضل لا يترتّب على إرادة خصوص الثواب البالغ ، بل لو كان المراد مطلق الثواب لكن تفضّلا أنتج أيضا ما أراده من عدم الكشف عن أمر شرعي ، نعم لو قيل إنّ ظاهر أكثر هذه الأخبار الوعد بالثواب الخاص مثل قوله (عليهالسلام) في رواية الكليني «كان له من الثواب ما بلغه» (١) وقوله (عليهالسلام) في مرسلة السيد «كان له ذلك كان حقا» (٢) كما أن ظاهر قوله (عليهالسلام) «وإن لم يكن كما بلغه» (٣) التفضّل سيما بملاحظة ظهور الثواب الخاص في الثواب الموعود.
والتحقيق أن يقال : إنّ المراد من هذه الأخبار أنه من بلغه ثواب على عمل بلوغا معتبرا قطعيا أو ظنيا معتبرا فعمله كان له ذلك الثواب تفضّلا وإن أخطأ الواقع ، لا مطلق البلوغ حتى يشمل الخبر الضعيف بدعوى انصراف مطلق البلوغ إلى ذلك ، أو بدعوى منع إطلاق البلوغ لكونه في مقام الإجمال من هذه الجهة والقدر المتيقّن منه هو المعتبر ، أو دعوى تقييد إطلاقه بمثل قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(٤) ونحوه مما يستفاد منه عدم حجية خبر الفاسق أو غير الموثوق به ، وهذا هو الوجه الذي لا محيص عنه ، وكأنّ المشهور فهموا حكومة أخبار التسامح على تلك الأدلة حيث لم يقيّدوها بها.
وتحقيق هذا المقام : أنّ العاملين بأخبار التسامح بين من يذهب إلى حجية الأخبار الضعاف في المندوبات والمكروهات كحجية خبر العادل بعينها وإثبات كونها طريقا إلى الواقع فيثبت بها الاستحباب والكراهة الواقعيين ، وبين
__________________
(١) الوسائل ١ : ٨١ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٨ ح ٦ (مع اختلاف).
(٢) الوسائل ١ : ٨٢ / أبواب مقدمة العبادات ب ١٨ ح ٩ (مع اختلاف).
(٣) نفس المصدر ح ٦.
(٤) الحجرات ٤٩ : ٦.