وأما النقل فلأنّ المستفاد من مجموع الآيات والأخبار المستدلّ بها على البراءة نفي الكلفة الزائدة على المقدار المعلوم من التكاليف وأنّ الناس في سعة ما لا يعلمون ، وكون إكرام عمرو واجبا بالوجوب التخييري في المثال المذكور ليس من الكلفة في شيء بل هو عين التوسعة في عدم لزوم إكرام زيد على التعيين ، فلا تدلّ هذه الأدلة على نفيه ، وهذا معنى قوله في المتن لظهورها في عدم تعيين الشيء المجهول على المكلف بحيث يلتزم به ويعاقب عليه.
وفيه نظر ، أما أوّلا : فلأنّه على مذهب المشهور في الواجب التخييري من أنّ الواجب هو جميع الأطراف ويسقط بفعل بعضها يجب القول بترتّب العقاب على كل واحد من الأطراف على تقدير ترك الكل ، فيتعدّد العقابات على هذا التقدير ، كما أنّ ترك الكل في الواجب الكفائي أعني ترك جميع المخاطبين يوجب عقاب الكلّ ، وحينئذ نقول الشك في تعلّق الوجوب بإكرام عمرو في المثال المذكور تخييرا يرجع إلى الشك في ترتّب العقاب على تركه في صورة ترك الكلّ أعني ترك إكرام زيد وعمرو ، فلا ضير في أن يحكم برفع العقاب المحتمل على ترك إكرام عمرو لو كان واجبا في الواقع تخييرا.
وأما ثانيا : فلأنّ حكم العقل بالبراءة لا يختص بصورة احتمال العقاب ، بل لو علم بعدم العقاب على مخالفة المولى يحكم بوجوب إطاعة المولى وقبح التكليف بلا بيان ، ولا شكّ فيما نحن فيه أنه لو كان إكرام زيد واجبا ولو تخييرا فهو تكليف بغير بيان يرفع بحكم العقل ، ومجرّد وجود المندوحة للمكلّف باختياره للطرف الآخر المبرئ للذمّة قطعا لا ينافي حكم العقل وجريان البراءة بالنسبة إلى الطرف المشكوك ، ألا ترى أنه لو شكّ في وجوب صوم غد مثلا يجري حكم العقل بالبراءة مع إمكان اختيار السفر الشرعي المسقط للوجوب على تقديره حتى يتيقّن بعدم المخالفة ، فمجرّد هذه المندوحة لا ينافي حكم