العقل بالبراءة على تقدير عدم اختياره تلك المندوحة.
وأما ثالثا : فلأنّ كلفة كل شيء بحسبه ، فإنّ في الواجب التعييني نوعا من الكلفة وفي الكفائي نوعا منها وفي التخييري نوعا منها ، ولا ريب في أنا نجد الفرق بين كون إكرام عمرو في المثال مباحا للمكلف أو طرفا للواجب التخييري ، فإنّه في الأول مطلق العنان إن شاء فعل وإن شاء ترك ، بخلاف الثاني فإنّه في ضيق منه في الجملة ولا يجوز تركه إلّا إلى بدل ، فما مرّ من أنه ليس كلفة وضيقا يرفع حكمه بالأدلة السمعية بل هو نحو من التوسعة ، فيه ما فيه ، ومن هنا تعرف جريان أدلة البراءة بالنسبة إلى المستحبات والمكروهات أيضا فإنّ فيها أيضا نوعا من الكلفة والضيق بالقياس إلى المباح.
قوله : إذ ليس هنا إلّا وجوب واحد مردّد بين الكلي والفرد (١).
توضيحه : أنه في هذا الفرض أصل الوجوب ثابت بالعلم وإنما الشك في متعلّقه وأنه الكلي الشامل للمعيّن وغيره أو خصوص الفرد المعيّن ، فأصالة عدم وجوب غير المعيّن مرجعها إلى أصالة عدم تعلّق الوجوب بالكلي ، وهي معارضة بأصالة عدم تعلّقه بالمعيّن ، مثلا علمنا إجمالا بوجوب العتق وشككنا في تعلّقه بمطلق الرقبة أو خصوص المؤمنة فأصالة عدم وجوب عتق الكافرة التي مرجعها إلى أصالة عدم تعلّق الوجوب بعتق مطلق الرقبة معارضة بأصالة عدم تعلّقه بعتق خصوص المؤمنة فلا أصل ، هذا.
ولكن التحقيق جريان أصل عدم وجوب عتق الكافرة بتقريب آخر ، وهو أن يقال إنّا نعلم في المثال بوجوب عتق المؤمنة في الجملة إما عينا وإما لكونها فردا للمطلق ، فإنّ الوجوب العارض للطبيعة عارض لأفرادها بالعرض لسريان
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ١٥٩.