حتى بالتوجيه الذي ذكر في الآية السابقة مع جوابه ، لأنّ الوسع بمعنى الطاقة فلا تحتمل الآية سوى إرادة نفي التكليف بغير المقدور ولا ربط له بما نحن فيه.
نعم يمكن تقريب الاستدلال بهذه الآية بوجه آخر غير مشابه لتقريب الاستدلال بالآية السابقة ليكون عبارة المتن إشارة إليه وهو أن يقال : التكليف بالحكم المجهول تكليف بغير المقدور كما سيأتي حكاية ذلك عن السيد أبي المكارم في الغنية وبعض آخر ، فلما دلّت الآية على نفي التكليف بغير المقدور مطلقا كانت دليلا على البراءة في المقام أيضا.
وفيه : أنه إن أريد أنّ التكليف بالحكم المجهول بوجهه الواقعي الذي لا يعلمه المكلّف تكليف بغير المقدور فهو حق ، إذ لا يمكن امتثال الخطاب المجهول مع قصد وجهه المجهول ، لكن الكلام ليس فيه ، إذ لا يجب قصد الامتثال بوجهه في معلوم الحرمة فضلا عن محتمل الحرمة ولا يريد أهل الاحتياط هذا المعنى أيضا. وإن أريد أنّ التكليف بالحرمة المجهولة لا بقصد الامتثال بحيث لزمه الاحتياط في الظاهر تكليف بغير المقدور فهو في حيّز المنع كما لا يخفى.
قوله : وفيه : أنّ ظاهره الاخبار بوقوع التعذيب سابقا ، إلى آخره (١).
لم يعلم وجه هذا الظهور ، اللهم إلّا أن يريد استظهار هذا المعنى من لفظ (ما كُنَّا) بصيغة الماضي فيصير المعنى ما عذّبنا في السابق قوما إلّا بعد بعث الرسول ، أو يريد استظهاره من سياق الآية ، لكن فيه أنّ لفظ كان إذا أسند إلى الله في القرآن ظاهر بل نصّ في إرادة الثبوت الاستمراري كما يعلم ذلك من مثل : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ، وأما ظهور السياق أيضا ممنوع.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٣.