وإشكال ، والأظهر في البيان أن يقال : إنّ استدلاله بالآية في المقام لا يتمّ إلّا بدلالتها على نفي استحقاق العذاب بدون البيان الملازم لنفي التكليف ، وهذا المعنى يناقض ما أجاب به عمّن استدلّ بالآية على نفي الملازمة بين حكم العقل والشرع من أنّ مفاد الآية نفي فعلية العذاب فلا ينافي استحقاقه بحكم العقل. والحاصل أنّه جعل مفاد الآية في المقام الأول نفي استحقاق العذاب ، وفي المقام الثاني نفي فعليّته دون الاستحقاق.
قوله : ومنها قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(١).
يمكن تقريب الاستدلال بالآية على وجه لا يحتاج إلى ضميمة الفحوى وهو أن يقال : إنّ المراد بقوله : (لِيُضِلَّ) بعد عدم إمكان حمله على معناه الحقيقي لامتناعه على الله ، هو فعل ما يترتب على الضلال أي العقاب ، يعني ما كان الله ليعاقب قوما حتى يبيّن لهم ما يتّقون ، لكن هذا المعنى مجرّد احتمال في الآية لا شاهد عليه ، وما حمل عليه المصنف من كون المراد بالاضلال الخذلان أظهر لكنّه يحتاج إلى ضمّ الأولوية بأن يقال : إذا لم يكن الله ليخذل إلّا بعد البيان فعدم عقابه بدون البيان أولى ، لأنّ العقاب أشدّ من الخذلان بكثير بناء على أنّ المراد بالخذلان عدم الاعتناء بالشخص وجعله في معرض النسيان.
لكن فيه منع الأولوية لأنّ خذلان الله تعالى أعلى مراتب العقاب لأنّه بالغ إلى مرتبة لا يرجى أن ينظر إليه نظر رحمة وتفضّل بجعله إيّاه في معرض النسيان فتدبّر ، هذا. مضافا إلى أنّ أمثال هذه الآيات ناظرة إلى أصول الدين ، والمراد بالهداية الهداية إلى الإسلام ، نعم قوله : (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٤.