وردت في بعض الكتب ، تعرّضت لمعاني هذه الآيات بشكل مسيء ومشوّه.
أمّا ما يتّفق ومحتوى الآيات المذكورة ، فهو القول : إنّ الشيء الوحيد الذي صدر من داود عليهالسلام كان فقط تركه للأولى وذلك بتسرّعه في القضاء ، لكن لا بتلك السرعة التي تكون على خلاف «واجبات» موازين القضاء ، إذ «يستحبّ» للقاضي التمعّن أكثر ما يمكن ، فلو ترك الأكثر واكتفى بالحدّ الأوسط أو الأقل فقد ترك الأولى ، وهذا ما فعله داود ، فقد قضى بظلم الأخ لأخيه الفقير ، وربّما كان السبب وراء هذا التسرّع هو ذعره من دخولهما المفاجيء عليه في خلوته ، فضلاً عن أنّ اجحافاً كهذا من قبل أخ لأخيه يبعث على الأسف والشفقة.
صحيح أنّ داود عليهالسلام أصغى لادّعاء طرف واحد فقط ، لكن سكوت الطرف الآخر وعدم التفوّه بأي كلام ، أو اعتراض يعدّ في نفسه دليلاً على اعترافه ، وعلى أيّة حال فمن آداب مجلس القضاء أن يطلب القاضي توضيحاً أكثر من الطرف المقابل وهذا ما لم يفعله داود.
وما استغفار داود إلّالتركه الأولى ، وقد تقبّل الله تعالى توبته وغفر له.
وهو أفضل دليل على عدم صدور أي ذنب عن داود عليهالسلام ، والجملة الواردة في ذيل نفس هذه الآيات : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) تشير إلى ذلك ، كما أنّ هناك أوصافاً أخرى كثيرة في حقّه قد وردت في الآيات السابقة ، ونُعت بتلك المنزلة الرفيعة عند الله تعالى بحيث غدت سيرته نموذجاً لنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله يقتدى به ، ولا شكّ أنّ هذا المعنى لا يتناسب مع العصيان والذنب أبداً.
حينما يصرّح القرآن في ذيل هذه الآيات ويقول : (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ ...). (ص / ٢٦)
يتبيّن بكلّ وضوح أنّ خليفة الله لا يذنب ، ومسألة ردعه من اتّباع هوى النفس إنّما هي بمثابة الأمر ولا تدلّ على ارتكاب معصية ، ومن هنا يتّضح مدى تفاهة تلك القصّة التي أبرزتها التوراة بشكل مُشوَّه ، وبالغت في تضخيمها أكثر من الوضع الطبيعي ، وربطت هذه القضيّة بحادثة مختلقة وهي عشق داود عليهالسلام لزوجة أحد ضبّاط جيشه وهيامه في حبّها ،