اللطيف هو أنّ الله أشار في هذه الآية إلى العفو أوّلاً ثمّ يأتي العتاب ، لكن البعض من المغفّلين تناول هذا الموضوع بشكل مسيء حتّى اعتبر الآية دليلاً على صدور الذنوب من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، دون الإلتفات إلى لطف هذا البيان الإلهي الذي أشرنا إليه! من جملتهم «الزمخشري» في «الكشّاف» حيث قال في تفسير هذه الآية : «جملة عفا الله عنك كناية عن الجناية لأنّ العفو مرادف لها ومعناه : أخطأت وبئس ما فعلت» (١).
لكنّه لو تأمّل أكثر في محتوى الآية وصدرها وذيلها ، والتعابير الواردة فيها لأدرك أنّ كلمة العفو والعتاب إنّما هي في الحقيقة لبيان سوء معاملة المنافقين للنبي صلىاللهعليهوآله ، وتوجيه الكلام إليه صلىاللهعليهوآله إنّما هو نوع من التعبير الكنائي اللطيف لبيان واقعة خطيرة.
وتوضيح ذلك : يخاطب الإنسان أحياناً أحد أصدقائه ويعاتبه لأنّه لم يَدَع الشخصَ الفلانيَّ يُفتَضَح وتُبيّن حقيقتُه للناس! في حين أنّ هذا العتاب والخطاب يعدّ مقدّمة لانتقاد شخص ثالث في حقيقة الأمر.
ويمكن توضيح هذا الموضوع بضرب مثال بسيط : لو فرضنا أنّ أحداً أراد أن يوجه صفعة إلى إبنك البريء ، فمنعه أحد أصدقائك ، فمع انّك لم تنزعج من تصرف صديقك بطبيعة الحال ، لكن أحياناً ولغرض إثبات سوء سريرة ذلك الشخص ، تلتفت إلى صديقك وتقول له معاتباً : لماذا لم تدعه يصفع إبني حتّى يتعرّف الناس على قساوة قلبه ، هذا الخطاب الذي هو على صيغة العتاب والملامة ، هو في الواقع كناية بليغة عن قساوة ذلك الظالم.
جاء في بعض التعابير الواردة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام في تفسير هذه الآية : هذا ممّا نزلـ «اياك اعنى واسمعى ياجارة» خاطب الله تعالى بذلك نبيه ، واراد به امته(٢).
يحتمل أن يكون هذا الكلام إشارة إلى نفس ذلك المطلب المتقدّم أعلاه ، والدليل على هذا الأمر هو الصلاحية التي اعطيت للنبي صلىاللهعليهوآله في الآيات القرآنية الأخرى ، وذلك بالسماح لمن شاء من المؤمنين بالتفرّغ لمشاغلهم الشخصية ، وعدم الإشتراك في بعض
__________________
(١) تفسير الكشّاف ، ج ٢ ، ص ٢٧٤.
(٢) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ١٣٠ ، ح ١.