كُنْتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا). (الشورى / ٥٢)
بديهي أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وقبل بلوغه لمقام النبوّة والرسالة كان يفتقر إلى هذا الفيض الإلهي ، أي مقام الرسالة والمعارف القرآنية رغم كونه موحّداً ، فأخذ الله بيده وهداه وبلغ به هذا المقام.
التعبير (نَهْدِى بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) في هذه الآية يبيّن أنّ المراد من الهداية هنا هو نفس الهداية إلى الإسلام.
ونقرأ في ثالث آية من سورة يوسف أيضاً :
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ).
مع أنّ هذا التفسير قد أعطى الهداية والضلالة مفهومهما المعنوي الذي يتفاوت وكما قلنا مع الآية السابقة واللاحقة عليهما ، لكنّه يعدّ قرينة لما ذكرنا مع الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ الْقُرآن يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضَاً ، التفاتاً إلى الآيات الأخرى.
٣ ـ المراد من «الضالّ» هنا هو «الضياع بين قومه وأهله من الناحية الشخصية» وذلك كما نقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام أنّه قال : «وَوَجَدَكَ ضَالّاً ، أي ضالّة في قوم لا يعرفون فضلك فهداهم إليك» (١).
وتفسير هذا المعنى جاء بتعبير آخر في تفسير نور الثقلين عن عيون أخبار الرضا عليهالسلام (٢).
إطلاق لفظة «الضالّ» و «الضالّة» على هذا المعنى شيء طبيعي ، كما جاء في الحديث : «الحكمة ضالّة المؤمن» (٣).
إذن فهناك تفاسير مقبولة عديدة لهذه الآية لا تتنافى ومقام العصمة.
* * *
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٠٦.
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٩٦.
(٣) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة ٨٠.