ببعض أشعار «حسّان بن ثابت» لإثبات هذا المدّعى (١).
كما أنّ الفخر الرازي قال في تفسيره : فالحاصل من هذا البحث أنّ الامنية إمّا القراءة وإمّا الخاطر (٢).
ففي هذه الصورة سيكون مفهوم الآية هو أنّ الأنبياء الإلهيين ، عندما كانوا يقرأون آيات الله ومواعظه أمام الكفّار والمشركين كان الشياطين يلقون وساوسهم وسمومهم بين ثنايا كلماتهم لإغفال الناس ، بالضبط كما طبّقوا هذا الشيء في حقّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله أيضاً ، أي كما نقرأ في قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَاتَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ). (فصلت / ٢٦)
طبقاً لهذا المعنى يتّضح مفهوم الآية التي بعدها أيضاً والتي تقول : (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ). (الحجّ / ٥٣)
كما أنّ من المتعارف اليوم أيضاً أنّه حينما يشرع مصلحو المجتمعات البشرية ، بإلقاء خطبهم البنّاءة وسط جمهور من الناس يسعى المنحرفون الذين في قلوبهم مرض ، إلى محو آثار تلك الخطب بالقيل والقال والشعارات الفارغة والتعابير الشيطانية التافهة.
وهذا في الحقيقة اختبار لأفراد المجتمع ، وهنا ينحرف المرضى القاسية قلوبهم عن طريق الحقّ ، في حين يزداد إيمان المؤمنين شيئاً فشيئاً بحقّانية الأنبياء ، والتمسّك بدعوتهم (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ).
لكن تفسير الآية طبقاً للمعنى الأخير لا يخلو من إشكال ، لأنّ الإلقاءات الشيطانية في نفوس الأنبياء عليهمالسلام مهما كانت تنسخ وتزال بالإمدادات الإلهيّة على الفور ، لكنّها لا يمكنها
__________________
(١) الشعر هو هذا :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
وآخرها لاقى حمام المقادر |
جاء تمنّى الكتاب بمعنى تلاوة الكتاب في «تاج العروس» القاموس وكذلك في متن «القاموس» ، ثمّ ينقل الزهري أنّ «الامنية» تطلق على التلاوة لكن القارىء كلّما انتهى بآية رحمة تمنّاها ، وكلّما وصل إلى آية منها ذكر للعذاب تمنّى النجاة منه. لكن صاحبـ «مقاييس اللغة» يعتقد أنّ إطلاق هذه اللفظة على التلاوة إنّما هو لأجل وجود نوع من القياس ووضع كلّ آية في مكانها.
(٢) تفسير الكبير ، ج ٢٣ ، ص ٥١.