فالشخص الذي تتلوث يداه بدماء ضحيّة بريئة مثلاً ، أو يختار طريق السرقة والسقوط والرشوة ، أو يبتلى بلعب القمار وشرب الخمور وتعاطي المواد المخدّرة ، لا يخرج عن أحد حالين : إمّا أنّه لا يعلم بمفاسد هذه الأمور بشكل تامّ ، أو أنّه عالم بها إلّاأنّه لا يستطيع الصمود أمام ثورة الشهوات والأهواء وعنفوانهما.
وبناءً على هذا فالعلم والإطّلاع لوحدهما غير كافيين للردع عمّا هو غير مرغوب فيه ، بل لابدّ ـ إلى جانب ذلك ـ من التسلّط على النفس والأهواء.
إن الثمرة التي يمكن أن نجنيها من هذا البحث هي أنّ الإنسان لو كان له اطّلاع كافٍ بقباحة عمل ما ، وتسلّط كامل على نفسه وميوله ، فيستحيل صدور هذا العمل منه (المراد هنا بطبيعة الحال هو المحال العادي لا العقلي كاجتماع الضدّين) (تأمّل جيّداً).
ويمكن بيان هذه الحقيقة ببعض الأمثلة ، وهي أنّ الكثير منّا يمتلك حالة شبيهة بالعصمة في قبال البعض من الذنوب ، (أمام البعض منها فقط) مثلاً ، لا نجد بيننا من يوافق على الخروج إلى الأزقّة عارياً في وضح النهار ، ولو صادف أن قام أحدنا بمثل هذا العمل فسوف نقطع بزوال عقله ورشده ، وإلّا فيستحيل الإقدام على هذا الشيء مع وجود العقل والوعي.
شرب مياه المجاري القذرة والملوّثة حرام قطعاً ، فهل ياترى يوجد بيننا عاقل يُقدم على عمل كهذا؟
الطبيب الماهر المتبحّر في أسرار علم الطب وخطورة أنواع الأمراض المعدية ، لا يوافق أبداً على شرب غسالة ملابس المرضى المبتلين بالأمراض والأوبئة المعدية.
وبهذا يمكن القول باختصار : إنّ لنا حصانة ومناعة أمام مثل هذه الأعمال القبيحة ، وذلك لوقوفنا عن كثب على مفاسدها ، بل إنّ قوّة عقولنا ومعارفنا وإيماننا ستحطّم تلك الميول والرغبات ، لو حاولت في يوم ما إيقاعنا في مخالب مثل هذه الأمور ، إذن فلو وجد هناك من له اطّلاع كاطّلاعنا على قبح الذنوب والمعاصي ، فمن المسلّم أنّه سيتجنّبها بجديّة.
وبعبارة أخرى ، إنّ الدوافع نحو المعصية ـ أعمّ من الجهل أو غلبة الشهوات والأهواء ـ وقد انتهت وتلاشت في وجود الأنبياء والأئمّة المعصومين في ظلّ علمهم ومعرفتهم وتقواهم.