ولا يخفى أنّ الأنبياء ـ وبفضل ارتباطهم بعالم الغيب وبحر علم الباري اللامتناهي ـ لهم إحاطة كافية بحجم مفاسد الذنوب ، وقبح مثل هذه الأعمال وفلسفة النهي عنها ، ومن جهة أخرى فنفس هذا الإرتباط الذي يكون على مستوى الشهود ومشاهدة عالم الغيب ، يخلق فيهم حالة من التقوى بحيث تعدّ رادعاً قويّاً أمام دوافع تلك الأهواء والميول.
خلاصة القول هي : إنّ الوقوف على دوافع المعصية من جهة ، وعلى مستوى معرفة وتقوى الأنبياء الناتج من ارتباطهم بعالم الغيب من جهة أخرى ، يدعونا للتصديق بحصانتهم وابتعادهم عن كلّ أنواع المعصية.
ورد في رواية عن أمير المؤمنين عليهالسلام الإشارة باختصار ، مع دلالة تامّة إلى الملاحظة الأولى ، حيث يقول : «قرنت الحكمة بالعصمة» (١).
مع أنّ العصمة هنا قد جاءت بمعناها العام ، أي كلّ أنواع الحصانة من المعصية وفي كلّ مراحلها ، لكنّها على أيّة حال تعدّ شاهداً على مرادنا.
وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قالـ «المعصوم هو الممتنع بالله من جميع المحارم ، وقد قال الله تبارك وتعالى ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم» (٢).
ويمكن أن يكون هذا الحديث إشارة إلى الملاحظة الثانية أو كلتيهما ، كما ورد نفس هذا المعنى في حديث هشام بن الحكم بشكل أوفى ، فعن ابن أبي عمير ـ الذي يعدّ من كبار أصحاب الإمام الصادق عليهالسلام ـ أنّه قال : «ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي إيّاه شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام ، فانّي سألته يوماً عن الإمام أهو معصوم؟ قال نعم ، قلت له : فما صفة العصمة فيه؟ وبأي شيء تُعرف؟ قال : إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص والحسد والغضب والشهوة ، فهذه منتفية عنه. ثمّ أضاف قائلاً :
__________________
(١) غرر الحكم.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ١٩٤ ، ح ٦ ؛ والآية من آل عمران ١٠١.