فمن المسلّم أنّ تركه هذا يعدّ فضيلة حتّى لو كان الدافع له على تركها هو علمه بمفاسدها ، وذلك لقدرته على استعمالها ، إذ لا إجبار في البين.
ولهذا السبب نسعى لرفع مستوى معرفة وتقوى الأفراد عن طريق التربية والتعليم ، لنضمن ابتعادهم عن الذنوب الكبيرة والأعمال الشنيعة على أقل تقدير.
أفلا يعدّ ترك البعض لقسم من هذه الأعمال نتيجة للتربية والتعليم فضيلة؟!
وبعبارة أخرى إنّ ترك الأنبياء للذنوب محال عادي لا عقلي ، ونعلم بعدم المنافاة بين المحال العادي وبين الإختيار ، وكمثال على المحال العادي هو : أن يصطحب عالم جليل معه خمراً إلى المسجد ويشربه بين صفوف الجماعة ، فهذا محال عادي لا عقلي كما لا يخفى.
خلاصة القول : إنّ المستوى الرفيع للإيمان ومعرفة الأنبياء عليهمالسلام والذي يعدّ بنفسه فضيلة وافتخاراً ، هو السبب في فضيلة أخرى ، ألا وهي مقام العصمة (تأمّل جيّداً).
ولو قيل من أين لهم هذا الإيمان وتلك المعرفة؟ ، لقلنا من الألطاف الإلهيّة ، إلّاأنّها لا تعطى لأي شخص اعتباطاً ، بل لوجود الأهلية الكامنة فيهم ، بالضبط كما يقول القرآن الكريم بالنسبة لإبراهيم الخليل إنّه لم يبلغ مقام الإمامة إلّابعد اجتيازه للإمتحانات الإلهيّة الخطيرة : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً). (البقرة / ١٢٤)
أي أنّ إبراهيم وبعد طيّه لهذه المراحل بمحض إرادته واختياره ، نال تلك الموهبة الإلهيّة العظيمة.
وكما يقول تعالى بالنسبة ليوسف عليهالسلام : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُمحْسِنِينَ). (يوسف / ٢٢)
وذلك بعد تكامله البدني والروحي واستعداده لتلقّي الوحي.
إنّ جملة (وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُمحْسِنِينَ) تعدّ شاهداً قويّاً على مرادنا ، إذ يقول القرآن : إنّ أعمال يوسف الإيجابية ولياقته هي التي هيّأته لتلك الموهبة الإلهيّة العظيمة ، كما أنّ هناك