تعابير توضّح هذه الحقيقة بالنسبة لموسى عليهالسلام حيث يقول القرآن : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى). (١) (طه / ٤٠)
ومن الواضح وجود مؤهلات وقابليات كامنة في نفوس هؤلاء العظماء ، لكن تنميتها وتقويتها ليس فيه صفة إجبارية مطلقاً ، بل إنّهم قد قطعوا هذا الطريق بمحض اختيارهم وإرادتهم ، وما أكثر اولئك الذين يتمتّعون بالقابليات لكنّهم مع ذلك لا يسعون لتطويرها ورفع مستواها ، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ، فتمتّع الأنبياء عليهمالسلام بمثل هذه المواهب ، قد وضع بالمقابل في اعناقهم مسؤوليات خطيرة ، وبعبارة أخرى إنّ الله تعالى إنّما يهب الشخص قدرة وطاقة بحيث تتناسب والمسؤولية التي يضعها على عاتقه ، ثمّ يختبره في أداء وظيفته.
٢ ـ الجواب الآخر لهذا السؤال هو أنّه ومع فرض كون الأنبياء منزهين من ارتكاب أي ذنب وخطأ ، بالعناية الإلهيّة اجبارياً لغرض كسب ثقة الخلق ، وليكونوا مشعلاً ينير الطريق لهدايتهم ، فلا زال الطريق في «ترك الأولى» أي العمل الذي لا يتناسب وشأنهم مع عدم كونه معصية ، مفتوحاً أمامهم بالرغم من كلّ ذلك.
ففضيلتهم تعود إلى عدم تركهم حتّى للأولى مع كونه اختيارياً بالنسبة إليهم ، وتعرّض البعض من الأنبياء للخطاب والعتاب الإلهي الشديد اللهجة والإبتلاء بالحرمان في بعض الأحيان ، إنّما هو لاحتمال تركهم للأولى نادراً ، وأيّة فضيلة أسمى من اجتنابهم لترك الأولى طاعة لأوامر الحقّ؟
إنّ فخر الأنبياء يكمن في تحمّلهم للمسؤولية بحجم هذه المواهب ، واجتنابهم حتّى لترك الأولى ، ولو حدث أن صدر منهم ترك للأولى استثناءً فسرعان ما يبادرون إلى جبران ذلك.
__________________
(١) جملة (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) فسّرت أحياناً بالإستعداد لتلقّي الوصيّة وأحياناً أخرى بالمعنى الزماني أي أنّه ولغرض تلقّي الرسالة كان من المقدّر أن تأتي إلى هنا.