لوجب عليه كتمان أمره وعدم إخبار العدو بالحقيقة ، بل لو تمكّن من إغوائهم بعباراته لوجب ذلك ، وهذه أيضاً من أوجه التقيّة.
لِمَ نذهب بعيداً ، ففي صدر الإسلام حين كان المسلمون يشكّلون الأقلّية ، كانوا يكتمون عقائدهم حين وقوعهم في قبضة العدو ، لئلّا تذهب الطاقات سدى ، فالكل قد سمع قصّة عمّار وأبيه ، كما أنّ القرآن أجاز هذه المسألة في العديد من الآيات (١).
ومؤمن آل فرعون الذي وردت قصّته بالتفصيل في القرآن كمثال على ذلك ، حيث استخدم أسلوب التقيّة ، وعبّر عنه القرآن صراحةً بـ (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ). (غافر / ٢٨)
ولا يجيز أي عاقل أن يكشف المجاهدون عن أنفسهم في مثل هذه الظروف الحسّاسة وهم قلّة ، لئلّا يتعرّف عليهم العدو بسهولة ويقضي عليهم.
اللطيف هو أنّ «التقيّة» قد اعتبرت بمثابة الدرع الواقي بالنسبة للمؤمن في الروايات الإسلامية ، كما ورد ذلك عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «التقيّة ترس المؤمن» (٢).
فلو أنّ أحداً لجأ إلى مكان منيع في ساحة المعركة ليقي نفسه من ضربات العدو ، هل يعدّ مرتكباً لعمل مخالف ياترى؟!
ومن هنا يتّضح أنّه كلّما ابتلي أحد بموارد التقيّة وكتم أمره وعقيدته التي يؤمن بها لمصلحة أهمّ ، أو تحدّث على خلافها ، فهو فضلاً عن عدم ارتكابه للذنب يكون عاملاً بالمباح أو الواجب ، وشأن ذلك شأن الكذب لإصلاح ذات البين ، أو لإنقاذ حياة مؤمن.
واللطيف هو أنّ القرطبي المفسّر السنّي المعروف ، وفي ذيل الآية (١٠٦) من سورة النحل حينما يصل إلى مبحث «التقيّة» يقول : «يعتقد كلّ علماء الإسلام أنّه لو أجبر أحد على التفوّه بعبارات الكفر خوفاً على حياته ، فلا حرج عليه في ذلك مع اطمئنان قلبه بالإيمان ، ولا تبّين منه زوجته ، ولا يحكم بأحكام الكفر» وبعد تعرّضه لقول ضعيف حول
__________________
(١) راجع (آل عمران / ٢٨) و (النحل / ١٠٦).
(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، ح ٦ ، من الباب ٢٤ من أبواب الأمر بالمعروف ص ٤٦١.