من سورة الروم : (غُلِبَتِ الرُّومُ* فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِى بِضْعِ سِنِينَ). (الروم / ٢ ـ ٤)
ومن الواضح أنّ الإخبار عن انتصار دولة مغلوبة على أمرها في المستقبل القريب (خلال بضع سنين) وبكلّ هذه الصراحة والثقة ، ليس بالشيء الذي يمكن الإحاطة به بالطرق الإعتيادية ، ولهذا فهو مصداق بارز لعلم الغيب.
وفي موضع آخر يخاطب القرآن الكريم المسلمين (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ). (الفتح / ٢٧)
وكان هذا الكلام في وقت أحكم فيه المشركون سيطرتهم على مكّة ، وقويت شوكتهم بدرجة بحيث تمكّنوا من فرض شروط صلح الحديبية على النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بحسب الظاهر ، إذن فالإخبار عن النصر السريع للمسلمين عليهم بشكل يمكنهم من إزالة أكبر عقبة تعترض طريقتهم ، ودخول مكّة بكل اطمئنان لم يكن سوى إخبار غيبي.
وفي موضع آخر حينما علم النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بأنّ إحدى زوجاته قد أطلعت الاخريات سرّاً على أمر كان أودعه عندها ، سألته قائلة : (مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا).
قال صلىاللهعليهوآله : (نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ). (التحريم / ٣)
وكذلك حينما أخفى فريق من المنافقين أعمالهم الشنيعة ، وجاءوا بأعذار واهية لغرض عدم الإشتراك في غزوة تبوك ، قال لهم الرسول : (لَاتَعْتَذِرُوا لَنْ نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ). (التوبة / ٩٤)
كما يخبر تعالى في موضع آخر عن حتمية هزيمة المشركين صراحةً ، مع أنّهم كانوا بكامل قوّتهم ، حيث يقول : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنْتَصِرٌ).
ويضيف على الفور : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ). (القمر / ٤٤ ـ ٤٥)
لا شكّ أنّ المسلمين كانوا قلّة قليلة حين نزول هذه الآيات والعدوّ في أوج القدرة والغطرسة ، وتوقّع مثل هذا النصر المؤزّر والسريع غير ممكن بالطرق الإعتيادية ، ولكن لم يمض وقت حتّى وجّهوا ضربة قاصمة إلى العدو في أوّل حرب طاحنة معه ، أي في معركة