نظنّكم كاذبين» ، بالقول : (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَّبِّى وَآتَانِى رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ (تعصّباً وعناداً) أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) (١).
قال الكثير من المفسّرين أنّ «البيّنة» تعني هنا المعجزة ، وعلى الرغم من المنقول عن ابن عبّاس أنّ المراد بالبيّنة هو الدليل المنطقي الجليّ ، لكن نظراً للتعبير بـ «من ربّي» ولكون هذه البيّنة قد اقيمت في مقابل تكذيب نوح وأتباعه ، فلا يمكن أن يفهم منها سوى المعجزة ، وربّما كان مراد ابن عبّاس من الدليل الواضح نفس المعجزة أيضاً.
* * *
ونلاحظ في الآية السادسة تعبيراً آخر حول هذا الموضوع ألا وهو «البرهان» ، إشارة إلى معجزتي موسى المعروفتين واللتين وردتا في الآيات السابقة ، أي استبدال العصا بثعبان عظيم ، وبياض اليد ، يقول تعالى : (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِ).
و «البرهان» : وعلى حدّ قول الراغب في المفردات يعني الدليل المحكم ، وقد اعتبره البعض مصدراً لمادّة «بَرَهَ ـ يَبْرَهُ» إذا ابيضّ ، وإطلاق هذه المفردة على الأدلّة المحكمة من باب بيانه للمطلب ، وتوضيحه له ، أو لأنّه يبعث على افتخار المتكلّم ، أو أنّه إشارة إلى الكلام الواضح الذي يعتريه الإبهام.
وفي «لسان العرب» فسّر البرهان بمعنى الدليل الواضح الذي يميّز الحقّ عن الباطل ، ومن هنا فسّر المفسّرون لفظة «برهانان» في ذيل الآية بمعنى الدليلين الجليين (٢).
لكن صاحب كتابـ «التحقيق» يعتقد بأنّ استعمال لفظة البرهان بمعنى الدليل اصطلاح منطقي خارج عن دائرة اللغة ، وأنّ معناه هو ذلك الكلام الواضح الخالي من الإبهام ، أو الموضوع الواضح تماماً.
على أيّة حال ، ففي الآية أعلاه قد استعملت هذه اللفظة في التعبير عن المعجزة ، التي تعدّ دليلاً جليّاً وواضحاً على صدق مدّعي النبوّة ، أي النبي موسى عليهالسلام هنا.
__________________
(١) جملة «أنلزمكموها» هي بمثابة الجزاء للقضيّة الشرطية «إن كنت».
(٢) تفسير الكبير ، ج ٢٤ ، ص ٢٣٨.