بأس بإشارة خاطفة قبل ذلك إلى المفهوم اللغوي للفظة «الإعجاز» ، ليتّضح السبب الذي دفع العلماء والأكابر إلى انتخاب هذه المفردة لخصوص هذا المعنى.
مع أنّ هناك معنيين قد ذكرا في مقاييس اللغة لأصلـ «الإعجاز» أي «العجز» وهما : «الضعف» و «عقب كلّ شيء» ، لكن الراغب أرجع هذين المعنيين في المفردات إلى معنى واحد ، واعتبر المعنى الأصلي هو «عقب كلّ شيء» ، وقد ترد بمعنى «الضعف» نظراً لتبعية الأفراد الضعفاء للآخرين ، وحيث إنّ معجزات الأنبياء هي من القوّة بحيث يعجز الآخرون عن التصدّي لها ومقابلتها بالمثل ، فقد اطلقت لفظة المعجزة عليها.
على أيّة حال ف «المعجزة» في التعريف الذي ذكره لها علماء العقائد ، عبارة عن ذلك الشيء الجامع للشروط الثلاثة أدناه :
١ ـ العمل الخارق للعادة والخارج كليّاً عن طاقة النوع البشري ، والذي يعجز عن الإتيان بمثله حتّى أكبر نوابغ العالم.
٢ ـ أن تكون مرافقة لدعوى النبوّة أو الإمامة من قبل الله ، وبعبارة أخرى أن تكون بمثابة الدليل على حقّانية مدّعي الرسالة والإمامة.
٣ ـ أن تكون بلسان «التحدّي» أي الدعوة للمعارضة والمقابلة بالمثل ، وبعبارة أخرى أن يتحدّى مدّعي النبوّة أو الإمامة أولئك الذين ينكرون كونها من عند الله ، الإتيان بمثلها ، بالضبط كما عرض القرآن هذا الأمر أكثر من مرّة فيما يتعلّق بإعجاز هذا الكتاب السماوي ، وقد مرّ بنا مثال ذلك في الآيات السابقة.
* * *
وممّا تقدّم أعلاه يمكن استنتاج الأمور التالية :
أ) المعجزة مستندة على القدرة الإلهيّة
ولا يمكن قياسها بأعمال نوابغ العالم ، والإكتشافات العلمية العجيبة ، إذ يحتمل مثلاً وجود طفل ذكي لم يتجاوز عمره السبع سنين ، ومع ذلك نراه يخطب خطبة عصماء ، فهذا