كما يصدق نفس هذا المعنى في حقّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله فيما يتعلّق بالبشارة التي بشّر بها في (الحلم) من دخول المسلمين إلى المسجد الحرام ، وأدائهم لمناسك الحجّ بكلّ أمان :
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ). (الفتح / ٢٧)
التعبير بـ (صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا) يدلّ بوضوح على كون هذا الحلم حلماً إلهياً أي نوعاً من أنواع الوحي.
* * *
في خامس وآخر آية من الآيات مورد البحث تمّت الإشارة إلى إحدى طرق ارتباط الأنبياء بمبدأ عالم الوجود ، والتي اشير إليها كناية في أوّل آية أيضاً بالتعبير (من وراء حجاب) يقول تعالى : (فَلَمَّا أَتَاهَا (حينما أتى موسى النار التي رآها بجانب الطور) نُودِىَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّى أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
أجل فلقد سمع موسى عليهالسلام كلام الله مباشرة ، وطبقاً لبعض الروايات (١) يقول موسى : «لقد سمعت كلام ربّي بجميع جوارحي ، ولم أسمعه من جهة واحدة من جهاتي».
هذا الكلام سمعه موسى عليهالسلام من كلّ الجهات وبكافّة جوارحه (لا الاذنين فقط) ، ومثل هذا الإرتباط على حدّ قول الطبرسي في مجمع البيان يعدّ من أفضل منازل الأنبياء وأرفع أنواع ارتباطهم بمبدأ عالم الوجود.
ولا شكّ أنّ الله لم يكن جسماً وليس له سائر العوارض الجسمانية واللسان والأمواج الصوتية ، لكنّه يتمكّن من إيصال مشيئته إلى سمع خواصّ عباده بالأمواج الصوتية التي يوجدها ، ولغرض العلم بكونه من كلام الله ينبغي أن يكون محفوفاً بالقرائن لنفي أي احتمال آخر عنه ، وهذه القرائن كانت موجودة في قصّة موسى عليهالسلام وسائر الأنبياء عليهمالسلام.
هذه القرائن يمكنها أن تكون رؤية النار من الشجرة الخضراء أو سماع الصوت من كافّة
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ١٣ ، ص ٢٨٣ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ٤ ص ٢٥١.