ودار الحديث في ثاني آية عن نزول ملك الوحي وإتيانه بالقرآن للنبي صلىاللهعليهوآله ، يقول تعالى : (وَإِنَّهُ (القرآن) لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ).
الملفت للنظر هو أنّ ملك الوحي قد تمّ وصفه بوصفين «الروح» أي عين الحياة و «الأمين» إشارة إلى الأمانة التي هي أهمّ شرط للرسالة والتبليغ.
* * *
يستفاد جيّداً من مختلف الآيات والروايات أنّ ملك الوحي المأمور بإبلاغ الرسالة إلى نبي الإسلام كان اسمه جبرائيل ، في حين أنّه يظهر من ثالث آية من الآيات مورد البحث ، أنّ الملائكة بـ «صيغة الجمع» كانوا أحياناً يؤمرون بإبلاغ الوحي الإلهي إلى الأنبياء ، يقول تعالى : (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ).
البشارة التي كان يحملها هذا الفريق من الملائكة هي البشارة بولادة إسماعيل وإسحاق ، إذ إنّ إبراهيم عليهالسلام كان قد قضى كثيراً من عمره محروماً من الولد مع تمنّيه الذرّية لحمل لوائه. كما كانت هنالك وظيفة اخرى للملائكة ذكرت في الآيات التي بعدها ، إلى جانب وظيفتهم الاولى في إبلاغ إبراهيم بالبشارة الإلهيّة ألا وهي تدمير مدينة قوم لوط وقلبها رأساً على عقب.
* * *
هنالك نوع آخر من أنواع الوحي ذكر في رابع آية وهو الرسالة التي كانت تصل إلى النبي عن طريق الرؤيا ، وهي «رؤيا صادقة» لا تتفاوت مع حالة اليقظة ، يقول تعالى : (قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ).
ونقرأ في الآيات التي بعدها أنّ إبراهيم عليهالسلام استعدّ لتنفيذ هذا الأمر ، ولا يخفى أنّ هذه الرؤيا لو كانت مثل الرؤيا العادية لما أقدم إبراهيم عليهالسلام على ذبح ابنه أبداً وهذا يكشف عن كونها وحياً إلهياً قطعيّاً.