وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً). (النساء / ١٥٢)
وبهذا فهي تؤكّد على أنّ المؤمنين الحقيقيين هم الذين لا يفرّقون بين الأنبياء الإلهيين ، ويؤمنون بكلّ تعاليمهم ، وهذا خير دليل على اتّحاد الاصول العامّة لتعاليمهم.
ولِمَ لا يكونون كذلك وقد بعثوا كلّهم من قبل الله ، وتساوت أدوارهم ، كما أنّ اصول المعارف الإلهيّة وسعادة البشرية واحدة في كلّ مكان ، إذ ليست بذلك الشيء الذي يتغيّر بتغيّر جزئياته على مرّ الأيّام.
بالضبط كحاجة الإنسان إلى الطعام والملبس والمسكن والصحّة والنظافة والتربية والتعليم ، إذ إنّ اصول هذه الامور ثابتة لا تقبل التغيير ، في حين أنّ جزئياتها هي في تحوّل وتغيّر ، أي ، إنّ في حالة تكامل بعبارة اخرى.
لابدّ من القول : إنّ هذه الآية وطبقاً لسبب نزولها كانت ردّاً على اليهود والنصارى ، حيث كان ينفي أحدهما الآخر ويعتبر نبيّه هو الأفضل وكتابه هو الأقدس (مع إهمالهم للآخرين) ، فجاء دور المسلمين للتعبير بصراحة باستحالة التفريق بين أنبياء الله.
على أيّة حال فهذا يعدّ توضيحاً مجملاً لوحدة الاصول العامّة لدعوة الأنبياء ، والآن نعود إلى بقيّة الآيات التي تؤكّد على كلّ واحد من هذه الاصول.
* * *
٢ ـ مسألة الوحي هي واحدة من هذه الاصول والتي عرضت في ثاني آية من الآيات مورد البحث ، يقول تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ (أنبياء بني إسرائيل) وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً* رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
وعلى هذا فالكلّ يشير إلى الوحي والإرتباط بعالم الغيب ، والكلّ يخطو في مسيرة إبلاغ الدعوة الإلهيّة وإتمام الحجّة على الناس ، لم يقل أحد منهم شيئاً من عنده ، والهدف النهائي للكلّ واحد.