٣ ـ أصل التوحيد ونفي الشرك هو أحد أهمّ اصول دعوة الأنبياء ، وبشهادة آيات مختلفة من القرآن ، فالتوحيد هو كلامهم الأوّل حين بعثتهم ، التوحيد في كافّة الأبعاد خصوصاً في العبادة.
والآية الثالثة من البحث تدور حول هذا الموضوع باعتباره أصلاً عاماً في دعوة الأنبياء ، يقول تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
وورد هذا المعنى بتأكيد أكبر في قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). (النحل / ٣٦)
وعلى هذا فمقاومة الطواغيت وتخصيص العبادة لله كانا يتصدّران قائمة تعاليم كلّ الأنبياء ، باعتبار كون الإنسان أسيراً ما دام في عبادة الطاغوت ، وحرّاً حيث ما يعبد الله وحده ، الله الذي هو مصدر كلّ القيم السامية وصاحب الأسماء والصفات الحسنى.
الملفت للنظر هو أنّ الطَّاغُوتَ صيغة مبالغة للطغيان الذي يعني التعدّي وتجاوز الحدّ ، ومن هنا تطلق لفظة الطاغوت على الشيطان والوثن والحاكم الجبّار والمتكبّر والمستكبر ، وكلّ طريق ينتهي إلى غير الحقّ ، هذه المفردة وعلى حدّ قول الراغب في المفردات التي تستعمل في المفرد والجمع كليهما (كما وتجمع في نفس الوقت على صيغة طواغيت. وفسّر لسان العرب لفظة الـ «طاغوت» بمعنى الشيطان وأئمّة الضلال والإنحراف (١).
على أيّة حال فإحدى علامات الأنبياء الحقيقيين هي الدعوة للتوحيد ، واجتناب كلّ الطواغيت ، في حين أنّ المدعين كذباً يدعون الناس للشرك وعبادة الأوثان ، بل وحتّى إلى عبادتهم أحياناً كفرعون ، هذا النحو من النظرة السلبية للطاغوت ـ كما قيل في محلّه ـ له أثره في كافّة شؤون الإنسان ، خاصّة في فكّ يديه ورجليه من قيود الرقّ والعبودية ودعوته للإتّحاد والعزّة والتحرّر.
__________________
(١) العجيب هو أنّ المرحوم العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان ، ج ١٢ ، ص ٢٤٢ ، قد اعتبر هذه اللفظة مصدراً ، مع أنّها تستعمل بالمعنى الوصفي في كلّ المواضع ، خصوصاً الموارد الثمانية الواردة في القرآن إذ إنّها أفادت المعنى الوصفي على الأعمّ الأغلب.