الأنبياء ، وبعبارة اخرى فالأديان الإلهيّة وبالإضافة إلى المسائل الشخصية ، كانت ترقب عن كثب وضع المجتمع أيضاً وتدعو الكلّ للمشاركة في إصلاحه ومحاربة الفساد.
ولذا تُشَمٌّ من الآية «الرابعة عشرة» من بحثنا حالة من الإعتراض العامّ على الأقوام السابقة التي ابتليت بالعذاب الإلهي ، حيث يقول تعالى : (فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِى الْأَرْضِ (لم يكن العلماء في الامم التي قبلكم متصدّين للحكم ولذا شاع بينها الفساد واستحقّت عذابنا) إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ).
«اولوا بقيّة» أي «أصحاب إرث وثبات» ، وحيث إنّ الإنسان يدّخر عادة الأشياء النفيسة ويحتفظ بها ، فقد ورد هذا التعبير بحقّ اولئك الذين يمتلكون ثروة نفيسة أي أصحاب العلم والشخصية والقدرة والنفوذ ، ومثل هؤلاء هم الذين يتمكّنون من الوقوف بوجه الفساد ويساعدون على بقاء الامم.
على أيّة حال يتبيّن من هذا التعبير أنّ التكليف بالأمر بالمعروف ، ومحاربة الفساد خصوصاً على مستوى العلماء وأصحاب القدرة والنفوذ ، كان موجوداً في كلّ الأديان الإلهيّة ، وأنّ الكثير من الامم قد استحقّ العقاب الإلهي نتيجة الانحراف عن هذه المهمّة.
* * *
١٥ ـ التسليم لأمر الحقّ تعالى : الأصل الآخر الموجود في كلّ الأديان ، والحاكم عليها هو أصل التسليم المطلق لأمر الله ، لذا نقرأ في آخر آية من البحث : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ).
أجل فروح وجوهر كلّ الأديان تعبر عن الحق وعن أمر الخالق وتمثل القوانين الإلهيّة وجميع الحقائق ، ونظراً لكون دين نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله من أفضل الأديان الإلهيّة فقد اختير له اسم الإسلام وإلّا فبالإمكان إطلاقه على كلّ الأديان السماوية.
وبناءً على هذا فالآية لا تعني أنّ دين نبيّنا هو الإسلام (وان كان هذا هو الواقع) ، بل المراد أنّ الإسلام كان الدين الحقيقي في كلّ العصور ، لأنّ التسليم أمام العقيدة الواقعية في