وتلاقح عقول وأفكار وتجارب بني الإنسان هي السبب وراء ظهور قوّة عظيمة وتوفير الأرضيّة المناسبة للحركة التكاملية في تمام الجوانب الماديّة والمعنوية وبسرعة خاطفة.
فلو عاش الإنسان على انفراد لبقي لحدّ الآن في العصر الحجري ، ولما تعلّم القراءة والكتابة على أكبر الظنّ ، فضلاً عن كلّ هذه العلوم والإختراعات والإكتشافات ، وخلاصة القول هي أنّ أكبر إنجازين للإنسان هما حريّة التفكير ، والتمتّع بالإبتكار والابداع والاختراع ، فضلاً عن الرغبة في حياة اجتماعية في المرحلة المتقدّمة.
لكنّ من الواضح جدّاً أنّ الحياة الجماعية مع كلّ ما تحمله من بركات هي السبب من جهة اخرى وراء خلق المشاكل والمصادمات والازمات وتعارض الأهواء الشخصية ، وإنّ طيّ المسير التكاملي إنّما يتسنّى لذلك المجتمع الذي تشخّص فيه واجبات كلّ فرد وحقوقه ، ومن هنا تظهر الحاجة إلى سنّ القوانين الاجتماعية وتنظيم حقوق أفراد المجتمع ، فالقانون هو الذي يعيّن واجبات كلّ فرد بالضبط كما يعيّن حقوقه ، وأخيراً يقدّم خطّة القضاء على المشاكل وحلّ الخصومات ويبيّن كيفيّة مواجهة التخلّفات والانحرافات.
وبناءً على هذا فالحياة الجماعية بدون القانون السليم والنظام الصحيح هي أسوأ من الحياة الفردية بعدّة مراتب ، وذلك لزوال منافع المجتمع وبسبب التناقضات.
ولبّ الكلام يكمن في السؤال عن الطرف الذي يسنّ هذه القوانين ، فهل هو الإنسان أم الخالق؟
ويمكن الإجابة عن هذا السؤال بتحليل مختصر : وهو أنّ المقنن الكامل يجب أن يتمتّع بالشروط أدناه ليتمكّن من سنّ أفضل قانون :
١ ـ يجب قبل كلّ شيء أن يكون المقنّن خبيراً بالإنسان عالماً بكلّ أسرار جسمه ونفسه وعواطفه وغرائزه وميوله وأهوائه وأمانيه وفطرته وإدراكاته العقليّة ، وكذلك محيطاً بكلّ الاصول الحاكمة على الروابط التي تجمع الناس مع بعضهم البعض ليتمكّن على ضوئها من وضع قوانين تنسجم معها.
٢ ـ يجب أن يكون له علم تامّ بالماضي والمستقبل البعيدين ، ليقف على جذور مسائل