اليوم المعقّدة من خلال الماضي ، ويتمكّن من تقييم آثار قوانين اليوم على مستقبل الحياة البشرية ، نظراً لاستحالة إمكانية حلّ مشاكل اليوم مع الجهل بجذورها الماضية ، كما هو الحال تماماً في استحالة فائدة قوانين اليوم مع عدم الأخذ بنظر الإعتبار مضاعفاتها في الغد (تأمّل جيّداً).
٣ ـ المقنّن المناسب يجب أن يتمتّع بـ «علم كامل» ليتمكّن عن طريق قوانينه من إخراج كلّ القابليات والإمكانات والاستعدادات الكامنة في داخل أفراد المجتمع إلى حيّز الوجود ، ويُضفي الفعلية على ما هو كامن في طبيعة الإنسان بالإمكان والقوّة ، ويغذّي المجتمع بأكبر قدر ممكن من الإنجازات وبأقلّ ثمن يكلّف طبيعة الحياة الجماعية.
٤ ـ يجب أن تكون القوانين ذات جنبة واقعية لا خيالية ، وتتمتع بضمان تنفيذها بشكل وافٍ من قبل مؤيّديها ، وبعيدة عن التعقيد ليسهل على الجميع إدراكها.
٥ ـ المقنّن الحقيقي هو الذي لا يرتكب ذنباً وخطأً وسهواً ، فضلاً عن ضرورة كونه رحيماً باولئك الذين تُسنّ لهم القوانين ، وحازماً قوي الإرادة وشجاعاً في نفس الوقت.
٦ ـ المقنّن اللائق من ليست له مصلحة شخصية في ذلك المجتمع ، لأنّها إنّما تشغل فكر المقنّن وتجلبه نحوها ، إذ إنّه لو تمكّن على سبيل المثال من اجتناب آثارها الظاهرة للعيان لعجز عن الوقوف على آثارها المخفية بالتأكيد ، وإنّ أكبر معضلة لعالم اليوم ، والتي تسبّبت في خلق المواجهات والمشاحنات الدامية هي هذه القوانين التي تسنّ من قبل ما يصطلح عليهم بمفكّري كلّ مجتمع على حده ، إذ كلّ واحد منهم لا يأخذ بنظر الاعتبار سوى منافعه الشخصية أو منافع أتباعه ووطنه ، وبديهي أنّ مثل هذا التكبّر والأنانية وضيق النظر لا يحمل معه سوى زيادة في حدّة الصراعات والمواجهات.
وهل تتوفّر ياترى هذه الحيثيّات الستّ المتقدّمة في غير ذات الباري جلّت قدرته؟ الذي لا نهاية لعلمه بالماضي والمستقبل المحيط بجذور وأسرار كلّ شيء وكلّ موضوع ونتائجه والذي لا يجد الخطأ والسهو والإشتباه طريقاً إلى ذاته المقدّسة.
وأخيراً هو الذي لا يحتاج لشيء ولا لأحد لضمان منافعه.