أ) أنّ الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين : فإمّا أن يكون معقولاً وإمّا أن لا يكون معقولاً ، فان كان معقولاً فقد كفانا العقل التامّ بإدراكه والوصول إليه ، فأي حاجة لنا إلى الرسول؟ وإن لم يكن معقولاً فلا يكون مقبولاً ، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حدّ الإنسانية ودخول في حدّ البهيميّة.
ب) قد دلّ العقل على أنّ الله تعالى حكيم والحكيم لا يتعبّد الخلق إلّابما تدلّ عليه عقولهم ، وقد دلّت الدلائل العقليّة على أنّ للعالم صانعاً عالماً قادراً حكيماً ، وأنّه أنعم على عباده نعماً توجب الشكر ، فننظر في آيات خلقه بعقولنا ونشكره بآلائه علينا ... وإذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه وإذا أنكرناه وكفرنا به استوجبنا عقابه فما بالنا نتّبع بشراً مثلنا؟!
ج) إنّ أكبر الكبائر في الرسالة اتّباع رجل هو مثلك في الصورة والنفس والعقل ، يأكل ممّا تأكل ويشرب ممّا تشرب حتّى تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرّف فيك رفعاً ووضعاً ، أو كحيوان يصرفك أماماً وخلفاً ، أو كعبد يتقدّم إليك أمراً ونهياً ، فأي تفوّق له عليك؟ وأيّة فضيلة أوجبت استخدامك؟ ، وما دليله على صدق دعواه؟ وما فضل حديثه على غيره؟ ولو أنّهم جاؤا بأشياء تفوق العادة ، فانّ هناك من يخبر عن المغيبات أيضاً.
د) قد دلّ العقل على أنّ للعالم صانعاً حكيماً ، والحكيم لا يتعبّد الخلق بما يقبح في عقولهم ، وقد جاء أصحاب الشرائع بمستقبحات من حكم العقل : كالإحرام والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار وأمثالها ، فما فائدتها؟ لماذا حرّموا بعضاً من طعام الإنسان وحلّلوا ما يكون مضرّاً؟ (١).
* * *
الجواب :
يمكن الإجابة عن هذه الشبهات بسهوله :
أ) يجب ألّا ننسى أنّ معلوماتنا وإدراكاتنا العقليّة ما هي إلّاقطرة من محيط عظيم
__________________
(١) الملل والنحل ، الشهرستاني ، الباب ٤ ، آراء الهند ، الفصل ١ ـ البراهمة ـ ص ٢٥٠.