وبعضهم حمل هذه المعصية على كونها من الذنوب الصغيرة ولم يعرها أية اهمية.
وبالرغم من الآيات الواردة والمتعلقة بعصمة الأنبياء والمنزلة الرفيعة التي أولاها الله سبحانه وتعالى لهم ، وبالأخص لآدم عليهالسلام ، حيث جعله خليفتهُ وحجّته ، إلّاأنّهم لم يذعنوا لمثل هذه الادلة ولم يسلِّموا لها ، بل أخذ كل واحد منهم يبتكر حلاً ويذهب مذهباً للخروج من هذه المعضلة ، ومن بين هذه التفاسير يمكن الركون إلى ثلاثة آراء باعتبارها الطريق الامثل لحل هذا الاشكال وهي :
أ) كان نهي آدم نهيّاً إختبارياً ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ آدم كان قد خلق للعيش في الأرض لا الجنّة ، وأنّ فترة وجوده في الجنّة كانت فترة اختبار لا تكليف ، إذن فأوامر الله ونواهيه هناك كانت لغرض إعداد آدم ، بحيث يتلاءم وحوادث المستقبل فيما يتعلّق بالواجب والحرام.
وبناءً على هذا فقد خالف آدم أمراً إختبارياً فقط لا أمراً واجباً قطعيّاً.
في حديث للإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام وفي معرض ردّه على «علي بن محمّد بن الجهم» ، الذي يعدّ من متكلّمي ذلك العصر المعروفين ، وكان يعتقد بعدم عصمة الأنبياء استناداً إلى بعض ظواهر الآيات القرآنية ، قال عليهالسلام له : «ويحك ياعلي اتّق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأوّل كتاب الله برأيك فإنّ الله عزوجل يقول : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ثمّ أضاف قائلاً : أمّا قول الله عزوجل في آدم عليهالسلام : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) ، فانّ الله عزوجل خلق آدم حجّته في أرضه وخليفته في بلاده ، لم يخلقه للجنّة وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ، (والجنّة لم تكن دار تكليف بل دار اختبار) لتتمّ مقادير أمر الله عزوجل ، فلمّا اهبط إلى الأرض وجعل حجّة الله وخليفته عصم بقوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (١).
ب) كان نهي آدم نهياً إرشادياً ـ يعتقد جمع من المفسرين أنّ أوامر الأنبياء ونواهيهم ومن جملتهم آدم عليهالسلام والتي لم تطبّق ، كانت ذات جانب إرشادي ، مثل أمر الطبيب للمريض
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ١١ ، ص ٧٢.