أنّ تبرّعاً متواضعاً من عامل بسيط يكلّفه اجرة يومه لمشروع خيري عام كبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد يعدّ في نفسه عملاً خيّراً بل إيثاراً كبيراً ، في حين أنّه لو تبرّع أحد الأثرياء المعروفين بنفس هذا المبلغ ، لتعرّض للذمّ والإتّهام بضعف الهمّة والبخل وهذا هو مصداق القول المعروف بين العلماء والفضلاء إنّ : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين».
وبناءً على هذا فما يصدر من الأنبياء يسمّى عصياناً لعدم لياقته بمنزلتهم الرفيعة وإيمانهم ومعرفتهم ، قد يكون عين «الطاعة» حين صدوره عن غيرهم ، فأداء الصلاة بقليل من حضور القلب يعدّ للشخص العادي فضيلة بينما يعدّ ذنباً بالنسبة للنبي أو الإمام (ذنب نسبي لا مطلق).
كلّ التعابير حول معصية الأنبياء وذنوبهم سواء فيما يتعلّق بآدم أو بخاتم الأنبياء عليهماالسلام ، والتي تلاحظ في الآيات والروايات ، يمكن أن تكون إشارة إلى نفس هذا المعنى.
كما ويعبّر أحياناً عن هذا المعنى بـ «ترك الأولى» ، والمراد به ذلك العمل الذي يكون تركه أولى من فعله ، هذا العمل الذي يمكن أن يكون من «المكروهات» أو «المباحات» بل وحتّى «المستحبّات» أيضاً ، فالطواف المستحبّ مثلاً ، ومع كونه عملاً حسناً مقبولاً ، لكن تركه والسعي وراء قضاء حاجة المؤمن أولى وأفضلـ «كما جاء في الروايات».
الآن لو أنّ أحداً لم يقدم على قضاء حاجة المؤمن ، وذهب بدل ذلك للطواف حول بيت الله تعالى ، فقد ترك الأولى مع إتيانه بعمل مستحبّ بذاته ، ولا يليق هذا الشيء بأولياء الله وأنبيائه وأئمّة الهدى عليهمالسلام ، وتوهّم البعض بأنّ ترك الأولى يطلق على الموارد المكروهة فقط ، إلّاأنّ هذا الوهم في غير محلّه بل هو خطأ محض. (فتأمّل).
على أيّة حال فمقولة الذنب النسبي وتحت عنوان ترك الأولى يمكن أن يكون جواباً حسناً لكلّ الأسئلة التي تثار حول الآيات والروايات التي نسب فيها الذنب إلى المعصومين.
الملفت للنظر أنّ التعبير بـ «المعصية» فيما يتعلّق بـ «ترك المستحبّات» قد ورد في الروايات الإسلامية أيضاً ، من جملتها الحديث المعتبر عن الإمام الباقر عليهالسلام في حديثه