فإن الجهد نفسه يجعل للعطاء لذته ، وللشعور بالاستحقاق لذة أخرى تضاف إلى ذلك.
وربما يمكن تأييد ذلك بما نشاهده من تعلق الإنسان ، وحرصه الشديد على كل شيء يناله بعد تعب وجهد. بخلاف ما يحصل عليه بسهولة ويسر ، فإنه لا يكون له ذلك التعلق به ، بل يسهل عليه التخلي عنه ، تماما. قال الشاعر :
ومن أخذ البلاد بغير حرب |
|
يهون عليه تسليم البلاد |
ولعل سبب اللذة بما يبذل الإنسان في سبيله جهدا ، هو أن بذل الجهد يكون سببا في الشعور باستحقاق الجزاء .. وهذا يعطي الإنسان شعورا بالعزة ، والكرامة ، وبالانتصار ، وبالاستقلال في شخصيته وكيانه ، ويمنحه ثقة بنفسه.
فعطاء الجزاء إذن له قيمته ، وله لذته المميزة. وربما لا يكون لعطاء التفضل هذا النوع من المزايا ، وإن كانت له مزايا من نوع آخر ..
وهناك شعور آخر قد يتمازج مع لذة الاستحقاق ، وما ينشأ عنها ، ألا وهو شعوره بأن ما يعطى له إنما هو نتيجة ما بذله من جهد وتعب ، فهو بذلك قد أسهم في رفع نقصه ، وتحويله إلى كمال ، وبدّل عجزه بالقوة ، وحاجته بالغنى ..
وهذه مزايا أخرى يحبها ، ويعتز بها ، وترضى روحه بها.
كما أن علاقته بنتاج فعله وجهده الذي كان به كماله ، وغناه وقوته ، ستكون علاقة لها مغزاها العميق ، وأثرها الظاهر في روحه ووجدانه ، وإحساسه بالرضا والغنى ، وبالكمال والقوة.
وخلاصة الأمر : أن للنعمة التي أعطيت له لذة ، وبهجة ، ورونق ..