ومن هذه الأوقات وقت صلاة الصبح ، ووقت العودة من العمل المرهق طيلة النهار.
فذكر الله سبحانه في خصوص هذين الوقتين يخرج الإنسان عن حالة الغفلة التامّة ، ويحصرها في خصوص الغفلة عن أمر الدنيا ، ويجعله واعيا متيقّظا لأمر الآخرة.
ثالثا : إن هذين الوقتين ، وإن كانا من أوقات الغفلة عادة ، ولكنهما في الحقيقة هما الوقتان اللذان تكون النفس فيهما في أشد حالات الاسترخاء ، والصّفاء والاستعداد لتقبّل أيّ وافد جديد عليها.
فإن الإنسان بدءا من وقت الأصيل يتهيّأ للاختلاء بنفسه ، وللعودة بأفكاره الشوارد إلى دائرته ومحيطه الحقيقي. ويكون مستعدّا للتأمّل ، واللقاء مع الله سبحانه ، والاتّصال به مباشرة بصورة أعمق ، وبسهولة ويسر ، ووضوح وصراحة ، لا تقاس بالصراحة والوضوح فيما لو حاول اللقاء بالله ، وهو في متجره ، أو في دائرته ، أو نحو ذلك. فثمّة صوارف ومعوقات في مواضع العمل ، وقد زالت الآن ، ولأجل هذه الميزات بالذات كانت صلاة الليل من أهم الأعمال العبادية.
إن الله يريد أن يكون الوقت الذي تطلع فيه الشمس بين قرني شيطان ، والوقت الذي تغرب فيه بين قرني شيطان ، وقت خلوة بالله ، وانقطاع إليه ، وتهجّد وعبادة له ، ليرغم بذلك كل مردة الشياطين من الجن والإنس أجمعين ..
والخلاصة : أن الاتصال مع الله ليس جوارحيا بل هو قلبي جوانحي ، وفي العمل الجوانحي تطلب الأوقات التي تناسب هذا الاتصال ، وتزيد من القدرة على تحقيق غاياته. وذلك إنما هو حيث لا يكون القلب