كل شيء .. لأن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه ، وهذا يحتاج ـ بالإضافة إلى القدرة ، وسواها ـ إلى العلم الدقيق ، والعميق ، والشامل ، وإلى الحضور التام ، بحيث لا يكون أي وجه من وجوه الشيء غائبا عن الواضع والمتصرف.
فتحقّق صفة الحكيمية بتمام معناها ، وهي من صفات الفعل ، متوقف على صفة العليمية ، التي هي من صفات الذات ، فاقتضى ذلك تقديم هذه على تلك في هذه الآية الشريفة. حيث لم توجد خصوصية أخرى تقتضي تأخير صفة العليمية ،
وفي جميع الأحوال نقول : إن المناسبة هنا تقتضي هذا التقديم .. فإن الحديث إنما هو عن اتخاذ السبيل إلى الله سبحانه ، وعن خلق الإنسان ، وعما تقتضيه خلقته ومسيرته في الحياة كلها. وعن حقيقة الوجود المتكامل في كل حناياه وخفاياه .. وفي بدايته ومنتهاه.
يضاف إلى ذلك : أن المشيئة الإلهية ، إنما تنبثق أولا من موقع الإحاطة ، والعليمية ، ليكون تأثيرها موافقا للحكيمية .. وقد جاءت العليمية والحكيمية هنا متوافقة مع مقتضيات هذه المشيئة ، بصورة واقعية ..
فاتضح من جميع ذلك ، ضرورة تقدم كلمة عليم ، على كلمة حكيم ..
واتضح أيضا : أن هاتين الصفتين هما اللتان يجب التنصيص عليهما ، والتذكير بهما ..
وأنه لا بد من إطلاقهما ، لكي تشملا جميع أحوال النشأة الإنسانية ، ومسيرة الخلق والخليقة كلها.
* * *