قال تعالى :
(وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً).
حيث أظهرت هذه الآية حقيقة هامة ، هي أن وقاية الله سبحانه وتعالى للأبرار من شر ذلك اليوم ، ثم ما فعله بهم من أنه قد لقّاهم نضرة وسرورا لم يكن هو الجزاء لأولئك الأبرار. بل هذه كرامات وألطاف إلهية ، حباهم الله تعالى بها ، إمعانا في تشريفهم ، ومزيدا في الرعاية لهم.
وذلك حين منّ عليهم بهذا الجزاء العظيم ، في مثل هذا الحال الشديد ، الذي يواجهه الإنسان بانتقاله إلى عالم الآخرة ، الجديد عليه ، وهو يوم الفزع الأكبر ..
فكانت مراسم الاستقبال لهم هي هذا التشريف الإلهي ، الذي تجلى أولا بالحصانة وبالوقاية التي حباهم بها ، فحقق لهم الأمن الحقيقي ، والاطمئنان النفسي ، ثم حباهم بالنضرة والسرور الذي كان هو الإشارة الحسية الملموسة ، التي تزيد من ثقتهم بأن ما حصلوا عليه ليس أمرا عارضا ، قد يزول ويتغير .. فيما لو فتحت السجلات .. بل هو أمر يدخل في دائرة التكريم والتشريف الإلهي الدائم والمستمر ، وأن عليهم أن ينتظروا مكافآت أعظم ، وألطافا وعنايات أتم ، وأهم ، وأعم ..
ثم جاء الجزاء الإلهي الذي نتج عن فعلهم ، وله أسباب وعلل وفق ما اقتضته السنن الإلهية ، وفرضه النظام الرباني .. الذي لأجله قال تعالى : «جزاهم» ، ولم يقل : أعطاهم ، أو تفضل عليهم.