ولم يسترح الإمام وقتا قصيرا من حرب الجمل حتى رأى خطرا رهيبا محدقا بالدولة من ابن أبي سفيان الذي لم يع الإسلام ، ولم يؤمن بقيمه وأهدافه ، وهو أمكر سياسي في تاريخ العرب على الإطلاق ، فقد استطاع بقابليّاته الدبلوماسية أن يغزو قلب الخليفة الثاني ، ويسيطر على مشاعره وعواطفه ، فلم يفتح معه سجلّ المحاسبة الذي فتحه أمام ولاته وعمّاله ، كما لم يحاسبه على تصرّفاته الشاذّة المجافية لروح الإسلام وتعاليمه من استعماله أواني الذهب والفضّة ولبسه الحرير وغير ذلك ممّا هو محرّم في الإسلام ، وقد اتّهم بشرب الخمر ، فكان الخليفة يبالغ في تسديده والاعتذار عنه ، ويقول عنه : ذاك كسرى العرب ، وهو اعتذار مهلهل حسب ما يقول المحقّقون.
وعلى أيّ حال فقد حظي معاوية بالتأييد الشامل من قبل عمر ، فكان أقوى وال في الأقاليم الإسلامية ، وظلّ يعمل في الشام عمل من يريد الملك والسلطان ، فسخّر اقتصاد بلاده في تدعيم ملكه وسلطانه ، فاشترى الضمائر ، ووهب الثراء العريض لرؤساء القبائل وللوجوه والأعيان ، كما نشر الجهل والأمّية في أوساط الشام ، فلم يعد فيه أي وعي سياسي مناهض لحكومته ، ويحاسبه على تصرّفاته ، كما أمدّ وسائل الإعلام بالكذب والنفاق تدعيما لسياسته ... وقد أحاط نفسه بجهاز دبلوماسي رهيب يسيطر على الأحداث مهما تلبّدت.
ومهما يكن الأمر فإنّ معاوية كان بصيرا بالمخطّطات السياسية التي انتهجها عميد اسرته عثمان بن عفّان ، وأنّها ـ حتما ـ تؤدّي إلى قتله ، وانهيار حكومته ،