كتاب الله ، فأمّا تلك الّتي تريدها فخدعة الصّبيّ عن اللّبن.
ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّي أبرأ قريش من دم عثمان ، وقد أرسلت إليك جرير بن عبد الله البجليّ ، وهو من أهل الإيمان والهجرة ، فبايع ولا قوّة إلاّ بالله (١).
وفي هذه الرسالة دعوة الإمام عليهالسلام إلى معاوية بمبايعته ولزوم طاعته ، ولا سبيل لنقضها فقد بايعه المهاجرون والأنصار الذين بايعوا قبله من الخلفاء.
وعرض الإمام إلى نقض طلحة والزبير لبيعته ، وأنّ ذلك كردّتهما عن طريق الحقّ ، فجاهدهما الإمام حتى ظهر أمر الله وهم له كارهون ...
وأعرب الإمام في رسالته إلى معاوية أنّه إن لم يستجب لبيعته فسوف يقاتله حتّى يفيء لأمر الله تعالى ، وأنّه لا يستحقّ الخلافة لأنّه من الطلقاء الذين لا نصيب لهم بالحكم كما لا نصيب لهم لأن يكونوا من أعضاء الشورى.
وعلى أي حال فإنّ معاوية أخذ يماهل جريرا حتّى سئم منه ، وقال له : يا معاوية ، إنّ المنافق لا يصلّي حتّى لا يجد من الصلاة بدّا ، ولا أحسبك تبايع حتى لا تجد من البيعة بدّا ، فردّ عليه معاوية : إنّها ليست بـ « خدعة الصبيّ عن اللبن »! إنّه أمر له ما بعده .. وفي يوم رفع معاوية عقيرته ليسمع جريرا وهو ينشد هذه الأبيات :
تطاول ليلي
واعترتني وساوسي |
|
لات أتى
بالتّرّهات البسابس |
أتاني جرير
والحوادث جمّة |
|
بتلك الّتي فيها
اجتداع المعاطس |
اكايده والسّيف
بيني وبينه |
|
ولست لأثواب
الدّنيء بلابس |
فإنّ الشّام
أعطت طاعة بمنيّة |
|
تواصفها أشياخها
في المجالس |
__________________
(١) العقد الفريد ٢ : ٢٣٣. الإمامة والسياسة ١ : ٧١. شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٣ : ٣٠٠.