منزلة الخليفة الأوّل الذي جمع الكلمة ، ولمّ الدعوة ، وقاتل أهل الردّة ، ثمّ الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح ، ومصر الأمصار ، ثمّ الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملّة ، وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفيّة.
فلمّا استوثق الإسلام وضرب بجرانه (١) ، عدوت عليه ، فبغيت له الغوائل ، ونصبت له المكايد ، وضربت له بطن الأمر وظهره ، ودسست عليه ، وأغريت به ، وقعدت ، حيث استنصرك ، عن نصره ، وسألك أن تدركه قبل أن يمزق ، فما أدركته ، وما يوم المسلمين منك بواحد ، لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ، ورمت إفساد أمره ، وقعدت في بيتك ، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخّروا عن بيعته ، ثمّ كرهت خلافة عمر وحسدته ، واستطلت مدّته ، وسررت بقتله ، وأظهرت الشماتة بمصابه ، حتّى أنّك حاولت قتل ولده (٢) لأنّه قتل قاتل أبيه ، ثمّ لم تكن أشدّ منك حسدا لابن عمّك عثمان ، نشرت مقابحه ، وطويت محاسنه ، وطعنت في فقهه ، ثمّ في دينه ، ثمّ في سيرته ، ثمّ في عقله ، وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك ، حتّى قتلوه بمحضر منك ، لا تدفع عنه بلسان ولا يد ، وما من هؤلاء ـ يعني الخلفاء ـ إلاّ بغيت عليه ، وتلكّأت في بيعته حتى حملت إليه قهرا تساق بحزائم الاقتسار (٣) كما يساق الفحل المغشوش ، ثمّ نهضت الآن تطلب الخلافة وقتلة عثمان خلصاؤك ، وسجراؤك (٤) والمحدقون بك ، وتلك من أماني النفوس ، وضلالات الأهواء.
فدع اللجاج والعبث جانبا ، وادفع إلينا قتلة عثمان ، وأعد الأمر شورى بين
__________________
(١) جران البعير : مقدّم عنقه ، والمراد أنّ الإسلام استقام وتمّت له الامور.
(٢) أشار معاوية إلى عبيد الله بن عمر الذي قتل الهرمزان وابنته لأنّه من أصحاب أبي لؤلؤة الذي اغتال عمر ، وقد عفا عنه عثمان وأقطعه أرضا في الكوفة ، ورام الإمام أن يقتصّ منه فمنعه عثمان ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في البحوث السابقة.
(٣) الاقتسار : القهر.
(٤) السجراء : الأصفياء والأخلاّء.