وأسلمت له هذه الأمّة طوعا وكرها ، فكنتم فيمن دخل في هذا الدّين ، إمّا رغبة وإمّا رهبة ، على حين فاز أهل السّبق بسبقهم ، وفاز المهاجرون بفضلهم ، ولا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدّين ، ولا مثل فضائلهم في الإسلام أن ينازعهم الأمر الّذي هم أهله فيحوب (١) ويظلم ، ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره ، ويعدو طوره ، ويشقي نفسه بالتماس ما ليس بأهله ، فإنّ أولى النّاس بأمر هذه الأمّة قديما وحديثا أقربها من الرّسول ، وأعلمها بالكتاب ، وأفقهها في الدّين ، أوّلهم إسلاما ، وأفضلهم جهادا ، وأشدّهم بما تحمله الأئمّة من أمر الأمّة اضطلاعا ، فاتّقوا الله الّذي إليه ترجعون ، ولا تلبسوا الحقّ بالباطل وتكتموا الحقّ وأنتم تعلمون.
واعلموا أنّ خيار عباد الله الّذين يعملون بما يعلمون ، وأنّ شرارهم الجهّال الّذين ينازعون بالجهل أهل العلم ؛ فإنّ للعالم بعلمه فضلا ، وإنّ الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلاّ جهلا ، ألا وإنّي أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، وحقن دماء هذه الأمّة ، فإن قبلتم أصبتم رشدكم واهتديتم لحظّكم ، وإن أبيتم إلاّ الفرقة وشقّ عصا هذه الأمّة لم تزدادوا من الله إلاّ بعدا ، ولا يزداد الرّبّ عليكم إلاّ سخطا ، والسّلام.
حكت هذه الرسالة الدعوة المباركة التي دعا بها النبيّ صلىاللهعليهوآله قريشا إلى الإسلام ونبذ الأصنام فقاومتها قريش بجميع ما تملك من الوسائل ، والتي كان منها إنزال العذاب القاسي الأليم على من آمن بالله ورسوله قتلا وحبسا حتّى اضطرّ المسلمون
__________________
(١) يحوب : أي يأثم.