ثمّ أخذ يضفي على معاوية بن هند صفات المتّقين التي لم يتّصف إلاّ بضدّها والتفت إلى الجماهير فقال لهم :
هو الخليفة علينا ، وله طاعتنا وبيعتنا على الطلب بدم عثمان (١).
واشتدّ الأشعري وهو يلهث نحو ابن العاص بعد ما غدر به ونكث عهده قائلا له :
ما لك؟ عليك لعنة الله ، ما أنت إلاّ كمثل الكلب ( إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) (٢) ...
فزجره ابن العاص قائلا :
لكنّك مثل الحمار يحمل أسفارا ...
لقد صدق كلّ منهما في وصف صاحبه ، فقد مالا عن الحقّ واقترفا كلّ ما حرّم الله تعالى من إثم وغدر.
لقد جرّ هذا التحكيم الظالم للامّة الكثير من المصاعب والفتن وألقاها في شرّ عظيم ... فقد ماج الجيش العراقي الذي أجبر الإمام على التحكيم في الفتن ، وأيقن بالخيبة والخسران ، وانهزم الأشعري نحو مكّة يصحب معه العار والخزي له ولذرّيته (٣) ولمن رشّحه للتحكيم ، فقد غدر بالمسلمين غدرة منكرة وألقاهم في شرّ عظيم.
__________________
(١) أنساب الأشراف ٢ : ٣٥١. الإمامة والسياسة ١ : ١٤٣.
(٢) الأعراف : ١٧٦.
(٣) احتقر المسلمون ذرّية الأشعري ، فقد سمع الفرزدق أبا بردة بن الأشعري يقول : كيف لا أتبختر ، وأنا ابن أحد الحكمين ، فقال له الفرزدق : أمّا أحدهما ـ أي الحكمين ـ فمائق ، وأمّا الآخر ففاسق ، فكن ابن أيّهما شئت. شرح النهج ١٩ : ٣٥٣.
ونظر رجل إلى بعض ولدي أبي موسى يتبختر في مشيته ، فقال : ألا ترون مشيته كأنّ أباه خدع ابن العاص.