لقد منيت القوّات العسكرية في جيش الإمام بالفتنة والخلاف والسأم من الحرب ، ولم يكن باستطاعة الإمام بما يملك من طاقات هائلة أن يرجع إليهم القوّة المعنوية ، ويقضي على عناصر الشغب والتمرّد التي أصبحت الظاهرة السائدة فيهم ، فقد بلغ من تمرّدهم أنّ الإمام أقام بالنخيلة ليزحف بهم إلى حرب معاوية ، فجعل الجيش يتسلّلون ويدخلون الكوفة ، ولم يبق معه إلاّ رجال من وجوه شيعته ، فلمّا رأى أنّه لم يعد إليه أحد من جيشه الذين دخلوا الكوفة ، وبقي معسكرا وحده ليس معه إلاّ فئة لا تغني شيئا قفل راجعا إلى الكوفة (١) ، وقد ذهبت نفسه الشريفة أسى وحزنا.
وشيء مهم جدّا بالغ الخطورة في تمرّد جيش الإمام هو أنّ معظم القادة العسكريّين كان لهم اتّصال سرّي وثيق بمعاوية ، وكانت هباته ومنحه تصلهم ، ولم تكن هناك رقابة في جيش الإمام عليهم.
وكان من أبرز اولئك القادة الخائن العميل الأشعث بن قيس ، فقد منّاه معاوية بالأموال والثراء العريض ، ووعده بالمناصب العليا في الجيش ، فقام بعمليات التخريب في جيش الإمام ، وقد استجاب له فريق كبير من القادة العسكريّين ، فقاموا بدورهم بنشر الأراجيف ، وإشاعة الخوف في كتائب جيش الإمام حتّى خلعوا طاعة الإمام ، وأعلنوا عصيان أوامره (٢).
ولم يمن جيش معاوية بشيء من الفرقة والاختلاف ، فقد سادت فيه روح الطاعة والانقياد التامّ.
يقول الحجّاج بن خزيمة لمعاوية : إنّك تقوى بدون ما يقوى به عليّ ؛
__________________
(١) الغارات ١ : ٣١.
(٢) حياة الإمام الحسين عليهالسلام ٢ : ٨٧.