دولته ، فقد قوي معاوية واستحكم سلطانه ، فأخذ يحتلّ الأقاليم الخاضعة لحكم الإمام ، كما أخذ يغير على بعضها ليشيع فيها الخوف والارهاب ، ويفهم المواطنين بعجز حكومة الإمام عن حمايتهم وتوفير الأمن لهم .. وإنّما قدم معاوية على هذه الخطة لعلمه بما مني به جيش الإمام من التخاذل والانحلال ، فلم تعد عند الإمام قوّة عسكرية يحتمي بها ...
وقد أجمع رأي معاوية على احتلال مصر التي تعدّ الأمّ للبلاد الإسلامية ، وقد جعلها طعمة إلى وزيره وباني دولته عمرو بن العاص.
وكانت مصر قد ولّى الإمام عليها قيس بن سعد الأنصاري وهو من ألمع الشخصيات الإسلامية في عمق تفكيره وبعد نظره وحسن سياسته ، وقد ساس المصريّين سياسة عدل وحقّ وقضى على ما كان شائعا من الفتن والاضطرابات الداخلية ، وأشاع فيها المحبّة والوئام ، وقد عزله الإمام وولّى مكانه الطيّب الفذّ محمّد بن أبي بكر ، فاضطربت مصر ، وشاعت فيها الدعوة العثمانية ، ولم يتمكّن محمّد بن إطفاء نار الفتنة فعزله الإمام وولّى مكانه القائد الفذّ مالكا الأشتر النخعي الذي هو من أنصح الناس للإمام ومن أكثرهم ولاء له ومعرفة بشأنه.
ولمّا انتهى مالك في مسيره إلى القلزم دسّ إليه معاوية سمّا جعله في عسل ، فلمّا تناوله قتله ، وكان معاوية وابن العاص يتحدّثان بعد ذلك ، ويقولان : إنّ لله جنودا من عسل.
وعلى أي حال فقد جهّز معاوية جيشا بقيادة ابن العاص لاحتلال مصر ، وكان الإمام قد أقرّ محمّد بن أبي بكر على ولاية مصر ، ووعده أن يمدّه بالجيش والمال ، وأخذ الإمام يحفّز أهل الكوفة على نجدة اخوانهم المصريّين فلم يستجيبوا له ، ثمّ أخذ يلحّ عليهم إلحاحا شديدا ، فاستجاب له بعض الجنود على كره ، وساروا لمصر كأنّهم يساقون إلى الموت ، ولم يلبثوا إلاّ قليلا في مسيرهم حتى وافت الأنباء الإمام