وللمسلمين فالعدل يسعكم ، وأمّا قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتالهم اليوم لزمني قتالهم غدا ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنّة نبيّه ، فمن ضاق عليه الحقّ فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم .. » (١).
إنّ بني اميّة ومعها قريش تريد من الإمام أن يهبها الأموال التي اختلسوها في أيام عثمان ، وتريد منه الانحراف عن منهجه وإيثاره لمصالح المسلمين على كلّ شيء ، ولكن الإمام لم يحفل بهم ، وقد عاهد الله أن يسير بين المسلمين سياسة قوامها العدل الخالص ، وأن يقف بالمرصاد لكلّ ظالم ، وأن لا يخضع للأحداث مهما كانت قاسية وشديدة ، فلذا تنكّرت له القوى الباغية من قريش التي ما آمنت بالله طرفة عين ، وقد وصف ابن أبي الحديد حالهم حينما آلت الخلافة للإمام بقوله :
« كأنّها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمّه من إظهار ما في النفوس ، وهيجان ما في القلوب حتّى انّ الأخلاف من قريش ، والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله » (٢).
لقد امتحن الإمام امتحانا عسيرا بالأسر القرشيّة ، وراح يصعّد آلامه وزفراته منهم قائلا :
« ما لي ولقريش! والله! لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقاتلنّهم مفتونين ، ... والله! لأبقرنّ الباطل حتّى أخرج الحقّ من خاصرته! فقل لقريش : فلتضجّ ضجيجها ».
إنّ قريشا حالت بين الإمام والخلافة منذ وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله ، فصرفتها تارة لتيم ، وأخرى إلى عدي ، وثالثة إلى بني اميّة ، وهي جادّة في خلق الفتن والمشاكل حتى تجهز على حكومته.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٥.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١١ : ١١٤.