يدي الحقّ يناجيه بقلبه وعواطفه ولسانه مشغول بذكره إذ هوى عليه بسيفه شقيق عاقر ناقة صالح عبد الرحمن بن ملجم ، ومعه شبيب بن بحيرة الأشجعيّ (١) ، وهو يهتف بشعار المجرمين الخوارج قائلا :
« الحكم لله لا لك ».
وعلا الرجس الدنس بالسيف رأس الإمام بطل الإسلام وعلم المجاهدين والمتّقين فقدّ جبهته الشريفة التي طالما عفّرها بالسجود لله تعالى ، وانتهت الضربة الغادرة إلى دماغه المقدّس الذي ما فكّر إلاّ في سعادة الناس وجمعهم على صعيد الحقّ والعدل وإزالة شبح الفقر والحرمان عنهم.
ولمّا أحسّ الإمام بلذع السيف انفرجت شفتاه عن ابتسامة الرضا بقضاء الله تعالى ، وانطلق صوته يدوّي في رحاب المسجد :
« فزت وربّ الكعبة ».
يا أمير الحقّ!
يا رائد العدل!
يا بطل الإسلام!
يا وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ! لقد فزت برضى الله تعالى ، وفازت قيمك ومبادئك ، وبقيت أنت وحدك رهن الخلود بما أوجدته في دنيا الإسلام من المثل والقيم الكريمة.
__________________
(١) شبيب بن بحيرة الأشجعي الخارجي علا الإمام بضربة إلاّ أنّه أخطأ فيها فوقعت على الباب ومضى الأثيم هاربا إلى منزله فدخل فيه ، وكان له ابن عمّ من شيعة الإمام فرآه يحلّ الحرير من صدره ، فقال له : ما هذا لعلّك قتلت أمير المؤمنين؟ فأراد أن يقول لا ، فقال : نعم ، فضربه بالسيف وقتله ، جاء ذلك في أعلام الورى : ٢٠٠.