وأخذ يقرأ آيات من الذّكر الحكيم ، وكان آخر ما نطق به قوله تعالى : ( لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ) (١) و ( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (٢) ، ثمّ فاضت روحه الطاهرة إلى جنّة المأوى تحفّها ملائكة الله والأنبياء والأوصياء.
لقد سمت تلك الروح العظيمة إلى بارئها لتقدّم إليه ما عاناه من الجهد في سبيل إعلاء كلمة الإسلام ، وما لاقاه من الخطوب من طغاة القرشيّين.
لقد ارتفع إلى الله تعالى ذلك اللطف الإلهي الذي خلقه الله تعالى ليبدّد ظلمات الجهل ، ويطهّر الأرض من أوثان الجاهلية وأرجاسها.
لقد مادت أركان العدالة ، وانطمست معالم الدين ومات أبو الغرباء ، وكهف الأيتام ، وعون الضعفاء.
لقد مضى الإمام إلى جنّة المأوى ، وهو مكدود ، مجهود غارق في الأسى والخطوب ممّا عاناه من أعمدة القرشيّين الذين أبوا أن تجتمع الخلافة والنبوّة في بيت واحد فأقصوه عن مركزه وقيادته للامّة بعد وفاة أخيه وابن عمّه الرسول صلىاللهعليهوآله ولمّا آلت الخلافة إليه ناجزوه الحرب ، ولا حقوه بضربات موجعة فأفسدوا عليه جيشه ، وتركوه في أرباض الكوفة يصعّد الزفرات والآلام.
__________________
(١) الصافّات : ٦١.
(٢) النحل : ١٢٨.
روت أسماء بنت عميس أن الإمام شهق شهقة ثمّ أغمي عليه ، ثمّ أفاق فقال : « مرحبا مرحبا ، الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الجنّة ».
قيل له : ما ترى؟
قال : « هذا رسول الله وأخي جعفر وعمّي حمزة ، وأبواب السماء مفتّحة ، والملائكة ينزلون يسلّمون عليّ ويبشّرون ، وهذه فاطمة قد طافت بها وصائفها ، وهذه منازلي في الجنّة لمثل هذا فليعمل العاملون ».
جاء ذلك في ربيع الأبرار ٤ : ٢٠٨.