« كأنّي بإحداكنّ قد نبحتها كلاب الحوأب ، وإيّاك أن تكوني يا حميراء » (١).
فسارع محمّد قائلا :
تقدّمي يرحمك الله ، ودعي هذا القول ...
ولم تبرح من مكانها ، وطافت بها الهموم والأحزان ، فقد أيقنت بضلالة قصدها .. وذعرت القيادة العامّة في جيشها ، وانبرى إليها بعضهم قائلا :
يا امّاه ، تقدّمي ..
وبقيت تائهة تراودها كلمات الرسول صلىاللهعليهوآله ، وراحت تقول بنبرات ملؤها الأسى والحزن :
ردّوني ، أنا والله! صاحبة كلاب الحوأب.
ردّوني.
وأسرع إليها ابن اختها عبد الله بن الزبير كأنّه ذئب ، وهو يلهث ، فلمّا رأته انهارت أمامه ، فجاء بشهود اشترى ضمائرهم فشهدوا أنّ هذا الماء ليس بماء الحوأب ، وهي أوّل شهادة زور في الإسلام (٢) ، فأقلعت عن فكرتها ، وأخذت تقود الجيوش لحرب وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وباب مدينة علمه.
__________________
(١) روى ابن عبّاس عن النبيّ أنّه قال يوما لنسائه وهنّ جميعا عنده : « أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدب تنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار ، وتنجو بعد ما كادت ».
جاء ذلك في كلّ من شرح النهج ٢ : ٢٩٧. تاريخ ابن كثير ٦ : ٢١٢. الخصائص للسيوطي ٢ : ١٣٧.
وجاء في الاستيعاب : أنّ هذا الحديث من علائم النبوّة.
(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٤٧. تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١.