حتّى اجتمع عليّ ملؤكم ، وبايعني طلحة والزّبير ، وأنا أعرف الغدر في أوجههما والنّكث في أعينهما ، ثمّ استأذناني في العمرة ، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان ، فسارا إلى مكّة ، واستخفّا عائشة ، وخدعاها وشخص معهما أبناء الطّلقاء فقدموا البصرة فقتلوا بها المسلمين وفعلوا المنكر ، فيا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما عليّ ، وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما ولو شئت أن أقول لقلت.
ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشّام كتابا يخدعهما فيه ، فكتماه عنّي وخرجا يوهمان الطّغام أنّهما يطلبان بدم عثمان ، والله! ما أنكرا عليّ منكرا ولا جعلا بيني وبينهم نصفا ، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما ، ومطلوب منهما .. يا خيبة الدّاعي إلى ما دعا وبما ذا أجيب!! والله! إنّهما لعلى ضلالة صمّاء ، وجهالة عمياء ، وإنّ الشّيطان قد ذمر لهما حزبه واستجلب منهما خيله ورجله ليعيد الجور إلى أوطانه ، ويردّ الباطل إلى نصابه ... ».
ثمّ رفع الإمام عليهالسلام يديه وقال :
« اللهمّ إنّ طلحة والزّبير قطعاني وظلماني وألّبا عليّ ، ونكثا بيعتي فاحلل ما عقدا ، وانكث ما أبرما ، ولا تغفر لهما أبدا ، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا .. » (١).
وانبرى الزعيم المجاهد مالك الأشتر فقال للإمام :
« خفّض عليك يا أمير المؤمنين! فو الله! ما أمر طلحة والزبير علينا بمحيل ، لقد دخلا في هذا الأمر اختيارا ، ثمّ فارقانا على غير جور عملناه ، ولا حدث في الإسلام أحدثناه ، ثمّ أقبلا بنار الفتنة علينا تائهين جائرين ليس معهما حجّة ترى ، ولا أثر يعرف قد لبسا العار ، وتوجّها نحو الديار فإن زعما أنّ عثمان قتل مظلوما فليستقد منهما آل عثمان ، فاشهد أنّهما قتلاه واشهد الله يا أمير المؤمنين! لئن لم
__________________
(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ١ : ٣١٩ ـ ٣٢٢.