القرآن على طهور ، وإنّما تمام همّه وغرضه ، أن يوجد وضوءا صحيحا ، مقدمة لصلاة الظهر قبل مجيء وقتها ، وتصحيح الوضوء بحسب الكلام المشهوري ، إنّما يتمّ على أن امتثال الأمر الاستحبابي ، ولا يتوقف على المقصود ، يعني على أن تقع القراءة خارجا ، فلو فرض أنه توضأ بقصد التوصل لقراءة القرآن ، ولم يقرأ ، فوضوؤه صحيح في المقام ، لأن هذا الوضوء ، وقع على وجه عبادي ، باعتبار أن قصد التوصل إلى المطلوب النفسي ، هو أحد أنحاء القصد العبادي ، فإذن قد وقع الوضوء على وجه عبادي ، وعدم القراءة بعده ، لا تضر بعباديته ، فوضوؤه صحيح وعبادي ، سواء وقعت القراءة بعد ذلك ، أو لم تقع ، وهذا معناه ، أن تصحيح الوضوء ، يتوقف على قصد القراءة ، لا على القراءة ، من قبيل ما كان في محل الكلام ، في المورد الأول ، حيث كان الصوم يتوقف على قصد الإقامة ، لا على الإقامة خارجا ، إذن فالقراءة ليست داخلة في نظر المكلّف ، وإنما تمام غرضه ، قائم بقصد الامتثال ، لا بالقراءة ، فيرد نفس الإشكال السابق في الصوم ، وهو أن الغرض ، وهو تصحيح الوضوء ، كيف نشأ من قصد القراءة ، مع أن الغرض قائم بالقصد ، لا بالمقصود ، والمقصود ليس له دخل في تصحيح الوضوء ، بوجه من الوجوه؟.
ومن هنا كان يحتاج هذا المكلف ، بناء على هذا الكلام المشهوري ، إلى نفس ما احتاج إليه المسافر هناك ، بأن يرغّب نفسه في القراءة حقيقة ، ويوجد في نفسه ، نكتة قائمة بالقراءة ، فيفكّر في ثوابها وما يترتب عليها من القرب نحو المولى تعالى ، وحينئذ ، يحصل له مصلحة وغرض في المقصود ، وهو القراءة ، فيحصل له قصد القراءة ، ويصبح هذا القصد ، محركا له نحو الوضوء ، وحينئذ ، يقع الوضوء على وجه عبادي.
الإيراد المبنائي
وتفصيل المناقشة في أصل مبنى هذا الكلام المشهوري متروك إلى موضوع آخر ، وإجماله ، هو أن الوضوء قبل الوقت ، يصح بقصد التوصل إلى صاحبة الوقت ، أيضا ، بلا حاجة ، إلى أن يحدث في نفسه رغبة في القراءة ،