بداع آخر ، إذ أن حملها على داع آخر ، يحتاج إلى قرينة خاصة ، وما لم تقم تلك القرينة الخاصة ، فالظهور الأولي يقتضي الحمل على الإرادة ، فيصير مدلول العبارة التصديقي ، هو الإرادة ، لكن وقع الكلام في منشأ هذا الظهور ، فكيف نشأ هذا الظهور ، مع أن صيغة «افعل» مستعملة في معناها الحقيقي ، وهو النسبة الإرسالية ، فلما ذا يكون لها ظهور في أنها مستعملة بداعي الإرادة لا بسائر الدواعي الأخرى؟.
صاحب (١) الكفاية (قده) فسّر منشأ هذه الدلالة ، على سليقته ، حيث يمكن أن يقال ، بأن الوضع قد قيّد في المقام ، فوضع لفظ صيغة «افعل» للنسبة الإرسالية مقيّد بأن يكون الاستعمال ، بداعي الإرادة مثلا أو بغيره من الدواعي ، فيؤخذ هذا الداعي قيدا في نفس الوضع ، لا في المعنى الموضوع له ، حيث أن المعنى الموضوع له واحد في سائر الموارد وهو النسبة الإرسالية.
وهذه المحاولة تقدّم نظيرها منه ، في بحث المعاني الحرفية ، حيث ادّعى ، بأن اللحاظ الآلي لم يؤخذ في المعنى الموضوع له ، ولكنّه أخذ في نفس الوضع ، وقد تقدم البرهان على بطلانه في بحث الوضع والمعاني الحرفية ، حيث ذكرنا أن الوضع ليس من المجعولات الاعتبارية ، على حد المجعولات الشرعية الصالحة لأن تؤخذ مقيدة بقيد من القيود الواقعية ، فمحاولته لا ترجع إلى محصل ، بل يمكن أن يبين هذا الظهور بتعبير آخر ، وهو أن صيغة افعل لها دلالتان تصوريتان ، دلالة تصورية على النسبة الإرسالية ، ودلالة تصورية التزامية على الإرادة ، من باب الملازمة بين الإرسال والإرادة ، وحينئذ ، لو فرض ، أنّ المدلول التصديقي لصيغة «افعل» كان هو الإرادة ، إذن فقد تطابق المدلول التصديقي مع كلا المدلولين التصوريين لأنّ الصيغة دلّت تصورا على مفهوم الإرادة ودلّت تصديقا على واقع الإرادة ،
__________________
(١) كفاية الأصول ، مشكيني ج ١ ص ١٠٢.