فالسنخيّة بين المدلول التصديقي والمدلول التصوري ، محفوظة في المقام ، وهي الأصل العرفي الارتكازي العام.
وأمّا إذا فرض أن المدلول التصديقي ، كان عبارة عن التسخير تارة ، وعن التعجيز أخرى ، إذن ، لم يحصل هناك تسانخ بين المدلول التصديقي والمدلول التصوري لأنّ الصيغة تدل تصورا على الإرسال الناشئ من الإرادة ، وتصديقا لا تدل على الإرادة ، وإنما تدل على التعجيز مثلا ، فلم يكن هناك سنخية ، بين المدلولين ، فأصالة السنخية والتطابق التي هي أصل عرفي عقلائي عام ، تكون بنفسها منشأ لنكتة ظهور الخطاب في أنه بداعي الإرادة لا بداع آخر.
وإن شئتم قلتم بتعبير آخر ، أن سائر الدواعي الأخرى غير الإرادة بحسب الحقيقة ، تفترض قبلها إرادة ، وهذا بخلاف الإرادة فإنها لا تفترض قبلها تسخيرا ولا تعجيزا فإن من يستعمل صيغة «افعل» بداعي الإرادة ، ليس له أي نظر إلى التعجيز والتسخير ، وأمّا من يستعملها بداعي التعجيز أو التسخير مثلا ، فلا يتحقق التعجيز ولا التسخير إلّا بافتراض الإرادة ، لأن من يريد شيئا ، حتى يظهر للآخر عجزه ، يحتاج إلى فرض الإرادة ، ولو ادعاء وعناية ، بينما داعي الإرادة ، لا يحتاج إلى الدواعي الأخرى ، ولو عناية وادعاء.
فمن هنا كان طبع المطلب يقتضي تعيّن داعي الإرادة ، وحمل الصيغة على داعي الإرادة ، حيث أن داعي غير الإرادة بنفسه يحتاج إلى عناية ومئونة زائدة ، وهي فرض إرادة أولا ، ثم التحول منها إلى بقية الدواعي ، وهذه المئونة الزائدة ، منفية بالإطلاق ومقدمات الحكمة.
إذن نخلص مما تقدّم ، بخمس حيثيات لصيغة افعل : اتضح أنّ للصيغة مدلولين تصوريين ، مدلول تصوري مطابقي ، هو النسبة الإرسالية ، ومدلول تصوري بالملازمة ، هو عبارة عن الإرادة ، لأن الإرسال ملازم للإرادة فيكون الدال على أحد المتلازمين تصورا دالا أيضا تصورا بالدلالة التصورية الالتزامية على ملزومه ، ثم إنّ وراء هاتين الدلالتين ، دلالة تصديقية ، بمعنى كون الصيغة