فكيف يؤخذ في معروض الأمر؟. إذا رجعنا إلى هذا البرهان ، نرى أنه لا يختلق فيه حال المولى الشرعي والمولى العرفي والمولى الذكي والمولى الغبي ، ذلك لأن التهافت في اللحاظ مستحيل على أيّ حال وفي حق أيّ إنسان إذ لا يمكن لإنسان أن يرى المتناقضين ولا يتهافت لحاظه ، وهذا من قبيل الجمع بين الضدين ، فتكون استحالته استحالة مطلقة.
وحتى لو تخلّصنا من هذا البرهان الثاني ولو بحمل الأمر على طبيعي الأمر لا على شخص ذلك الأمر ، لكن تبقى البراهين الثلاثة الأخرى الأول والثالث والرابع كلها تنتج استحالة مقيّدة.
أمّا البرهان الأول الذي كان حاصله ، لزوم أخذ نفس الأمر أو وصول الأمر في موضوع الأمر وهو محال ، لأنه يلزم منه التكليف بغير المقدور ، ذلك لأن الأمر من قبيل القبلة ، فكما أن القبلة أمر غير اختياري ولا بدّ من أخذه مفروض الوجود في الموضوع ، كذلك الأمر غير الاختياري لا بدّ من أخذه مفروض الوجود في الموضوع ، فببرهان استحالة التكليف بغير المقدور ، لا بدّ أنه يلزم من تقييد الأمر ، أخذ الأمر في موضوع الأمر وهو محال.
ومن الواضح ، أن هذا البرهان ، إنما يجري في حق من التفت إلى هذه النكتة ، لا في حق من لم يلتفت إليها من العلماء فضلا عن الجهلاء ، فإن من لم يلتفت إلى نكتة أن أخذ قصد القربة قيدا في متعلق الأمر مع بقاء الأمر على إطلاقه يلزم منه التكليف بغير المقدور مثل هؤلاء ، يمكنهم أن يأمروا عبيدهم ، لأنهم لا يرون بأنهم يكلفون بغير المقدور بل يأمرون بالإتيان بالفعل مع قصد القربة ، ويقصدون تقييد الأمر حقيقة وثبوتا كل ذلك لأنهم لم يلتفتوا إلى أنه يلزم منه تقييد الأمر وأخذ الأمر في موضوع الأمر ، بل هم يتخيلون أن هذا الأمر باق على إطلاقه وأنهم يكلّفون بالمقدور.
والخلاصة أن المولى العرفي يمكنه بسبب جهله بهذه النكتة أن يأمر بالفعل مع قصد القربة ، ويقصد التقييد حقيقة وثبوتا.
أمّا المولى الحكيم ، فلا تجري في حقه هذه الاستحالة ، من قبيل الشارع